IMLebanon

عبد اللهيان في بيروت: الأولوية لـ «وحدة الساحات» ام الإستحقاق الرئاسي؟!

 

 

انشغل اللبنانيون بأحد اقل الجوانب اهمية في زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الى بيروت، فانصرفوا الى متابعة مواقفه من الاستحقاق الرئاسي التي اطلقها بـ«القطّارة»، وتناسوا الجانب الأهم منها المرتبط بالحضور الايراني في المنطقة، والمواجهة المفتوحة مع اسرائيل من بوابة «وحدة الساحات» التي أعلنت عنها القيادة الايرانية ونظّمت لها غرفة عمليات مشتركة تغطي دول الجوار الاسرائيلي. وعليه ما الذي يمكن الإشارة اليه؟

 

من دون اي مقدّمات وعلى وقع مجموعة من الأسئلة الغامضة عن حصة لبنان وموقعه في سلم اولويات التفاهم السعودي – الايراني، والتي لم يتوفر لها اي جواب شافٍ وكافٍ منذ الاعلان عنه من بكين برعاية قيادتها في العاشر من شباط الماضي. ولم يظهر انّ اياً من التردّدات المتلاحقة قد تطال الساحة اللبنانية في وقت قريب، في ظل مجموعة الأحداث التي هدّدت الإستقرار الهش في البلاد، وسط تنامي مجموعة الأزمات المعيشية والاقتصادية عدا عن تلك التي شلّت المؤسسات الدستورية، ما زاد من عجزها عن مواجهة اي من القضايا العالقة.

 

وفي ظلّ هذه التطورات التي زادت من نسبة الغموض الذي لفّ الاجواء العامة في البلاد، أُعلن وبطريقة مفاجئة عن زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان إلى بيروت ليومين، قبل ان يتحقق اي لقاء له في الخارج، رغم الحديث المتنامي عن لقاء سيُعقد مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، بعد اللقاء الذي جمعهما في الصين. وإن كانت اللقاءات الطبيعية المتوقعة لعبد اللهيان في بيروت قد شملت رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ونظيره عبد الله بو حبيب، فقد فوجئت الاوساط السياسية والنيابية والديبلوماسية بالدعوة المباشرة والعلنية غير المسبوقة – ليس من الجانب الايراني فحسب، انما من قبل أي جانب وأي طرف دولي او اقليمي آخر – التي وجّهتها السفارة الايرانية إلى لقاء مع ممثلي الكتل النيابية المتمثلة في المجلس النيابي في إحدى قاعات مقرّها الجديد، وهو ما أضفى على الزيارة جانباً لم يكن متوقعاً، بالنظر الى ارتباط هذه الخطوة في توقيتها وشكلها ومضمونها بالاستحقاق الدستوري المطلوب ان يقوم به المجلس النيابي لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، وقد عجز عن القيام بهذه المهمّة قبل القيام بأي عمل آخر.

 

ولما عبرت هذه المحطات من الزيارة لرأس الديبلوماسية الايرانية من دون ان تعطي اي مؤشر بوجود اي مبادرة او خطوة ايرانية جديدة تتصل بالاستحقاق الرئاسي، والإيحاء انّ على جدول أعمال الزيارة خطوة ما في هذا الإتجاه، فقد بقيت مواقفه عمومية لم تتناول هذا الاستحقاق سوى من باب الدعوة إلى اللبنانيين للتفاهم على آلية تؤدي إلى تجاوزه في اسرع وقت ممكن. ولذلك توجّهت انظار المراجع الديبلوماسية والسياسية الى البحث عمّا جرى في اللقاء الذي جمعه ليل أول أمس بالأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، قبل ان يتوّج زيارته بالجولة الجنوبية التي قام بها امس. ففي هذين الحدثين ما يكفي للتعبير عن الهدف الأسمى والأعلى وربما الأغلى من هذه الزيارة وأهدافها الغامضة. ففي سنايا هاتين المحطتين، الكثير مما لم يُكشف عنه بعد، بالنظر الى ما يمكن ان تحمله من دلائل، ليس اهم من انّها كانت ولا تزال من خارج تردّدات اتفاق بكين وما تلاه من تفاهمات يمكن ان تقود اليها المصالحة بين طرفيه والمسارح المرشحة لتلقّي انعكاساتها بطريقة توحي بأنّها لم تصل بعد إلى الساحة اللبنانية في موازاة التفاهم المحقق حول أزمات اليمن والبحرين والعراق والمبادرة السعودية من طرف واحد باتجاه سوريا ومن خارج اي تفاهم مع ايران، بالنتائج المتوقعة لمثل هذه الخطوة ان لم تكن تستهدفها.

 

وتضيف المراجع لتشير إلى انّ في ما تمّ البت به في لقاءات الضاحية الجنوبية وما انتهت اليه الزيارة الجنوبية، ظهر واضحاً مضي الجمهورية الاسلامية الايرانية بمبادراتها الآحادية في لبنان وسوريا، بما يوحي بإبقاء هاتين الدولتين خارج تردّدات تفاهم بكين. وهو ما يؤدي إلى اعطاء الزيارة الرئاسية الايرانية التي يقوم بها الرئيس ابراهيم رئيسي إلى دمشق في الساعات المقبلة للقاء القمة المنتظر مع نظيره السوري بشار الأسد، أبعاداً مهمّة لمجرد أنّها تقدّمت على القمة الايرانية – السعودية.

 

ولذلك، فقد توجّهت الانظار الى البحث في جديد الخطة الايرانية في المنطقة على خلفية دعمها المطلق لما سُمّي بـ «وحدة الساحات» في المواجهة مع اسرائيل وقدرتها على إدارة اي عملية عسكرية بهذا الحجم، في اعقاب مجموعة الصواريخ التي استهدفت الجليل الاعلى من جنوب لبنان ومناطق مختلفة من الجولان المحتل ومناطق اسرائيلية أخرى من المناطق السورية المقابلة، متزامنة مع عملية اطلاق النار المحدودة التي وقعت على الحدود الاردنية – الاسرائيلية وأحداث غزة ومخيمات الضفة الغربية.

 

وقبل التوصل الى ما انتهى اليه لقاء نصرالله وعبد اللهيان، عادت المراجع المختصة إلى الوراء اياماً قليلة، للتذكير بما نشره الإعلام الحربي لمحور المقاومة يوم الخميس في الثالث عشر من نيسان الجاري، لفيلم وثائقي ترويجي قصير تحت عنوان «جاهزون»، وقد حمل رسالةً شديدة الوضوح للقيادة الإسرائيلية الجديدة في اعقاب صواريخ القليلة والجولان، تحذّر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو «من ارتكاب أي حماقة تطال ساحات المقاومة في لبنان وسوريا».

 

وإن دخل المراقبون في تفاصيل هذا الفيلم من ضمن «الحرب النفسية» المتواصلة التي يتقنها، فهم توقفوا عند ما تحمله من إشارات تنمّ عن التفاهم بين قوى المقاومة في لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية المحتلة، الذين اجتمع ممثلون عنهم «بشاراتهم العسكرية» المميزة الدالّة على هوية كل الفصائل والقوى المنخرطة في العملية المشتركة من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، في غرفة عمليات واحدة تحت شعار «فلتتوحّد كل الرايات، ولتلتئم كل الجبهات، ولتُفتح كل الساحات»، مرفقاً بإشارة انتهى اليها الفيلم وهي تقول باللغتين العبرية والعربية: «وعد الآخرة.. جاهزون». وإن لم يُكشف عن مقر هذه الغرفة، فإنّ لبنان هو موقعها الطبيعي الذي يديره الحزب ومن خلفه من يمثل قوة الدعم الايرانية المباشرة وغير المباشرة.

 

وبناءً على ما تقدّم، لا بدّ لأي من المراقبين إن اراد فهم ما انتهت اليه زيارة عبد اللهيان، عليه انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات في المنطقة. وهي بمجملها لا توحي بأنّ الاستحقاق الرئاسي اولوية لدى طهران، ليبقى الأمر رهن موقف الرياض النهائي، إن صدقت المعلومات الواردة من الرياض التي تستمهل تحديد مواقفها من هوية المرشحين واسمائهم. وإن كانت ايران تلقي المهمّة على عاتق «حزب الله» ولا حاجة لصرف اي جهد في هذه المرحلة بالذات، سيبقى السؤال مطروحاً بحثاً عن الجهة التي تركن إليها السعودية إن لم تنخرط فيها مباشرة. وبانتظار الاجابة النهائية عن مثل هذه التساؤلات، علينا ان نفهم حجم السباق بين مشروعي إنهاء مرحلة «خلو سدّة الرئاسة» من شاغلها ومشروع «وحدة الساحات».. فلننتظر.