Site icon IMLebanon

«المازوت الإيراني» في ميزان البيان الوزاري

 

 

بمعزل عن الظروف التي دفعت الى القبول الرسمي المغفل بالمازوت الإيراني مسايرة او رضوخاً امام قوة الامر الواقع، وحاجة السوق اللبنانية الى كل اشكال المشتقات النفطية، فإنّ ما رافق دخول القوافل النفطية يشكّل أكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه. لكن اقساها وأوضحها، انعدام وجود الدولة اللبنانية بمختلف أجهزتها ومؤسساتها، التي كانت منشغلة بالبتّ بالصيغة النهائية للبيان الوزاري الذي يجرّم مثل هذه العملية في شكلها ومضمونها. فما الذي يمكن قوله لتفسير ما حصل؟

 

لم تحمل قافلة المازوت الايراني اي جديد لم يكن متوقعاً سلفاً، حتى انّ سلوكها معبر «حوش السيد علي» كان مفتوحاً أمامها، ولم يواجهها سوى اهالي المنطقة الذين خرجوا عن إرادة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بإطلاق النار والقذائف الصاروخية، تزامناً مع وجود تجمعات شعبية نثرت الأرز عليها تعبيراً عن الفرح بقدوم «المازوت النظيف والمقدّس» من الجمهورية الاسلامية الايرانية الى لبنان، رافعين راية التحدّي بأبهى أشكالها في مواجهة العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا، ومؤسسة «الأمانة» التابعة للحزب، والتي شملتها عقوبات وزارة الخزانة الاميركية من قبل، تمهيداً لتوزيعه على من تقرّر ان يكون هبة او بنصف السعر الرسمي ما عدا كلفة نقله الزهيدة.

ad

 

حتى هذه السطور، لم نأتِ على ذكر ما يخرج عمّا رافق انتقال الباخرة الايرانية الاولى من ميناء بندر عباس الإيراني الى الشاطئ السوري ـ ان لم تكن من البواخر المنتشرة في المياه الدولية لتكون قادرة على بيع حمولتها بطريقة غبّ الطلب – في ظلّ غموض مدروس متعمّد منذ فرض العقوبات على طهران، للتغطية على اي من هذه الشحنات النفطية التي يجري تسويقها من خارج النظامين النفطي والمصرفي الدوليين. وإن كانت ترّددات ما حصل تبدو باهتة جداً، فإنّ ما جرى يحمل كثيراً من الرسائل الموجّهة الى أكثر من جهة، سواء تلك التي أرادها الحزب في مواجهة العقوبات الاميركية على لبنان، رغم عدم اعتراف اي من اللبنانيين بوجود مثل هذه العقوبات المحصورة بسوريا والشركات والاشخاص اللبنانيين المشمولين ببرامج العقوبات السابقة.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات البديهية يمكن تفنيد مجموعة الرسائل المحلية والاقليمية والدولية وخلفياتها على الشكل الآتي:

 

– على المستوى الداخلي، لم يُلاحظ سوى الاحتفالات المنفردة للحزب وأجهزته المختلفة بالقافلة الايرانية، حتى الذين رغبوا في المساهمة سراً في توفير المادة والمشاركة في نقلها احتفظوا بصمت كامل. وغابت الدولة اللبنانية بمختلف مؤسساتها عن التعاطي معها، ولم يأخذ أحد من اكبر مسؤول الى اصغر المعنيين بالقطاع، اي موقف يتزامن مع تأكيدات وزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط، التي نزعت عن «الناقلة النفطية» وما يمكن ان يليها، اي صفة شرعية. فهي لم تعط اي تراخيص اضافية لشركات جديدة دخلت القطاع بين ليلة وضحاها. ولم تتبلّغ بما جرى سوى ما اطلعت عليه في وسائل الإعلام. في وقت كانت «تجاهد» لإحصاء مخزون الشركات من المازوت والبنزين، للفصل بين السعر الذي كان معتمداً قبل ساعات أبّان الدعم بالسعر السابق والسعر الجديد للمشتقات النفطية جميعها، والتثبت من الفصل بين السوقين الحرة والمدعومة.

 

 

وعلى هامش الصمت الرسمي، لم يُسجّل اي موقف لأي مرجعية اخرى مالية او جمركية او ادارية، في وقت كانت اللجنة الوزارية المكلّفة وضع البيان الوزاري تستعد لمناقشة الصيغة شبه النهائية للبيان، الذي قال بما لا يمكن السماح بما حصل بأي شكل من الأشكال، لا بل فهو يجرّمه عندما يؤكّد هذا البيان في متن الصفحة الرابعة منه ما يلي: «العمل على إقفال المعابر غير الشرعية وتعزيز المراقبة على الشرعية منها، من خلال تزويدها أجهزة الكشف والمسح الحديثة والمتطورة، للحدّ من التهرّب الضريبي، وتعديل قانون المحاسبة العمومية والإسراع في انجاز تشريع جديد للجمارك وإقرار الاستراتيجية الشاملة للإصلاحات الجمركية وبرنامجها التنفيذي…».

 

وامام هذه الملاحظات اللبنانية، يكفي انّ الحزب جنّب لبنان المساءلة، عندما لم يأخذ بنصيحة من رغب بنصب الفخ له، بتفريغ الباخرة الإيرانية في خزانات الزهراني او في خزانات «كوجيكو» في الجية او على اي نقطة ساحلية لبنانية، من دون ان يتلقّى اي طلب من اي مسؤول رسمي لبناني، كما انّه عدّل في الساعات الاخيرة الخطط التي اعتُمدت لنقل الفيول من سوريا الى لبنان، وسط اعتقاد انّه استخدم المعبر المعتمد لدى المهرّبين «عكس السير»، للقوافل التي تهرّب المازوت والغاز والبنزين المدعوم من لبنان الى سوريا.

 

– اما على المستوى الاقليمي والدولي، فقد لفت المراقبون الى انّ دفعات النفط الايرانية حظيت قبل انطلاقها من الموانئ الايرانية بموافقة مسبقة من مختلف الدول والقوى المعنية بالنزاع مع ايران، والولايات المتحدة الاميركية قايضت بينها وبين الغاز المصري ليعبر الأراضي السورية بعد الاردنية، تزامناً مع عبور قوافل الفيول العراقي الى لبنان عبر اراضيها ايضاً. ويُقال انّ واشنطن تدخّلت لمنع اسرائيل من القيام بأي ردّ فعل. وثمة من نقل عن أعضاء وفد الكونغرس الاميركي الذي غادر بيروت قبل فترة الى تل ابيب، وعد بمثل هذا التمني على اسرائيل، عندما طالبه رئيس مجلس النواب نبيه بري بحاجة لبنان الى هذه المشتقات النفطية لعبور المرحلة الفاصلة عن وصول «الغاز المصري» بعد «الفيول العراقي». وكل ذلك مخافة ان يتسبب اي اعتداء عليها بدخول هذه البواخر في نطاق حرب البواخر بين تل أبيب وطهران. وإن عبرت قناة السويس، فقد أبلغت السلطات المصرية سلفاً جميع من سأل عن خط سير الباخرة وإمكان عبورها الآمن في قناة السويس، بأنّ القوانين الدولية والمحلية لا تقفل القناة امام اي باخرة سوى التي تملكها دولة عدوة لمصر، وإيران ليست على هذه اللائحة منها.

 

على هذه الخلفيات، فإنّ المراقبين والمحلّلين الاقتصاديين، لا يخشون ما ظهر على سطح الأحداث من تطورات واكبت مرور كميات محدودة من المشتقات النفطية الايرانية. لكن قلقهم سيرتفع إن تحولت اسلوب عمل طويل المدى، في ظلّ الأزمة المتناسلة في هذا القطاع، ما يشكّل مادة اضافية للمنافسة غير المشروعة، ان لم يؤدِ ذلك الى التوسع في استيراد هذه المادة، لتنضمّ شركات غير شرعية لتزويد السوق مواد معفاة من الرسوم الجمركية، وفي غياب الفحوص الضرورية للتثبت من جودتها، الى جانب ما هو معترف بشرعيتها. والاخطر، إن تحولت الأراضي السورية على المدى الطويل، معبراً لكل مصادر الطاقة، تتحكّم بها كما شاءت في لبنان وساعة ارادت، فيُضاف النفط الإيراني الى الغاز المصري والفيول العراقي، ليكون ورقة ضغط أضافية بيد النظام السوري، وهو ما يفتح الافق على معضلة جديدة، ليس من السهل مقاربة نتائجها من اليوم.