ها هو الفيول الإيراني قادم إلينا بعد أسبوعين أو ثلاثة، وستزود طهران لبنان به على مدى 5 أشهر، على أن تتولى شركات في لبنان معلومة مجهولة إجراء عملية الـ»سواب»، أي استبداله بنوع آخر من الفيول الصالح لتشغيل معامل الكهرباء في لبنان، لأن مواصفاته وتركيبته التقنية لا تطابق مواصفات الفيول الذي يُستخدم لتشغيل هذه المعامل. هذا ما حصل وما ينتظر أن يحصل مع الفيول العراقي الذي يتزود به لبنان منذ أكثر من سنة، والذي تجددت العقود مع بغداد من أجل مواصلة بيعه للبنان لسنة أخرى.
إذا نجحت الصفقة التي أطلق المناقصة في شأنها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في 25 تموز الماضي، حين شهر التحدي أمام الحكومة اللبنانية أن توافق على استقبالها، يبقى أن يتم حسم طريقة الـ»سواب» هذه وهل أن الشركات التي ستتولى تبديلها ستخضع للعقوبات الأميركية الموجهة ضد قطاع النفط الإيراني، أم أن تلك الشحنات التي ستنطلق من المرافئ الإيرانية معفية من العقوبات مثلها مثل المواد ذات الطابع الإنساني لأنها مخصصة لتوليد الطاقة المحروم منها زهاء 5 ملايين مواطن وأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري وفلسطيني ومن جنسيات أخرى؟
أما مسألة الحصول على الفيول مجاناً كما وعد نصر الله، أم بثمنه (وبأسعار مخفضة حكماً) فإنها مسألة تقنية أيضاً. ومن الممكن معالجتها عن طريق التقسيط أسوة بالتقسيط الطويل الأمد الذي تعامل به طهران سوريا بتوريدها البنزين وأنواع المحروقات إلى مناطق النظام في اتفاق جرى تجديده قبل 3 أشهر بقيمة مليار دولار…
في كل الأحوال إن شركة إماراتية هي التي كان وقع عليها عقد «سواب» الفيول العراقي خلال السنة الماضية. وهي التي كانت تتولى استبداله بفيول صالح لمعامل الإنتاج اللبنانية. والمبادرة الإيرانية شملت أيضاً البحث في عرض طهران إمكان بناء معامل لإنتاج الكهرباء في لبنان.
المبادرات الإيرانية حيال لبنان تكثفت في المرحلة الأخيرة. ودخول طهران عبر «حزب الله» سوق الطاقة اللبناني بدأ منذ أن استورد الحزب 3 بواخر من المازوت والبنزين في الصيف الماضي، جرى توزيعها بأثمان مخفضة أيضا. لكن الأبرز في دخول طهران سوق الطاقة في لبنان هو انخراط «حزب الله» في المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتكليفه لجنة من الخبراء الحزبيين الإمساك بهذا الملف، ومتابعته الدقيقة لكافة اللقاءات التي يجريها الوسيط الأميركي آيموس هوكشتاين مع كبار المسؤولين اللبنانيين، بل تبادله الرسائل غير المباشرة معه عن طريق أحد الوسطاء، حول التهديدات التي كان أطلقها نصر الله باستهداف حقل «كاريش» وما بعد بعد «كاريش». والسيد نصر الله «يدوزن» منذ حينها تشدده أو ليونته حيال ما آلت إليه المفاوضات وفق ميزان لا مجال للشك بأن لطهران دوراً في ثقل أوزانه أو انخفاضها بين زيارة وأخرى للوسيط الأميركي. فالأخير بقدر عداء بلاده لإيران و»الحزب» مارس ضغوطاً على القيادة السياسية في تل أبيب، وكذلك إدارته في واشنطن، كي تتبع موقفاً أكثر ليونة حيال خط الترسيم البحري الذي يريده لبنان. و»الحزب» أكثر العارفين بذلك…
اللافت أنه بموازاة الحركة الإيرانية حيال لبنان في الآونة الأخيرة عادت الحركة الخارجية لتتكثف تحت عنوان الحث على إقرار الإصلاحات وتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية في موعده الدستوري، وتطبيق اتفاق الطائف إلخ…
قد يرى البعض أن المبادرات الإيرانية في لبنان حركت سفير الاتحاد الأوروبي وسائرالسفراء الأعضاء للقاء كبار المسؤولين من أجل حضهم على الإصلاحات… وقام وفد صندوق النقد الدولي بزيارته إلى لبنان، وبدأ السفير السعودي في لبنان جولة على القيادات السياسية، فيما تجرى لقاءات لبنانية دولية وعربية في نيويورك في سياق التنافس الغربي، العربي والإيراني على التأثير في الاستحقاقات اللبنانية ولا سيما الرئاسية.
إلا أن البعض الآخر يطرح السؤال عما إذا كان التدهور الذي تفاقمت مظاهره أخيراً في أوضاع لبنان هو وراء التحرك الدولي في اتجاه لبنان للحؤول دون انهياره الشامل. ولربما قادت محاولات منع الانهيار الكامل إلى «سواب» سياسي، إيراني غربي أو إيراني أميركي، حول موضوع الرئاسة اللبنانية كما سبق أن حصل في العام 2016 رغم اختلاف الظروف، فالاتفاق على النووي في حينها كان قد أُنجز، بينما تعرض لانتكاسة في العام 2022 ، حتى إشعار آخر.