Site icon IMLebanon

من باخرة المحروقات.. إلى حرق «الأمتار الأخيرة»!

 

 

 

تطورات الأسبوع الماضي ستساهم، وإلى حد كبير، في تحديد مسار الأحداث في الأسابيع والأشهر الباقية من ولاية الرئيس ميشال عون، سواء بالنسبة للدخول الأميركي القوي على خط إستجرار الكهرباء، أم بالنسبة للتحرك الإيراني المباشر في شحن المحروقات.

قبل الخوض في خلفيات هذين الحدثين المهمين، لا بد من التوقف بسرعة عند أبعاد التحرّكين الأميركي والإيراني المفاجئين، واللذين يؤكدان بشكل حاسم، ليس فشل المنظومة الحاكمة وحسب في إدارة مسلسل الأزمات التي يتخبّط فيها البلد، بل وأيضاً سقوط أهل الحكم نهائياً من حسابات الدول المعنية بالوضع اللبناني، والتسليم بعدم قدرتهم على القيام بأبسط مهام السلطة المنوطة بهم.

مع كل الاعتراض على استيراد النفط من إيران وخرق لبنان للعقوبات الدولية المفروضة على طهران، يرى البعض أن تحرك الباخرة الإيرانية باتجاه الشواطئ اللبنانية قد استبق بشكل متعمد، وعن سابق تصور وتصميم، الجهود الدولية للتخفيف من معاناة اللبنانيين في مسألتي الكهرباء والمحروقات، وخاصة بالنسبة للقرار الأميركي في تعليق العمل ببعض بنود قانون قيصر، لتسهيل إستجرار الطاقة من الأردن والحصول على الغاز المصري، والذي أشرف على ترتيب هذه الخطوة ووضعها قيد التنفيذ السريع مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز، الذي زار لبنان في إطار جولة شملت مصر والاردن وإسرائيل، وكان الوضع اللبناني في صلب محادثاته مع قادة البلدان الثلاثة. ولعلها من الحالات النادرة التي يتمخض فيها الصراع الأميركي  الإيراني، بشكل غير مباشر، عن خطوة إيجابية لمصلحة اللبنانيين، وذلك بعد سنوات طوال، تحمّل فيها وطن الأرز الكثير من تداعيات صدام الطرفين في الإقليم، وما زال يدفع الأثمان الغالية من أمنه واستقراره وازدهاره.

وكشفت الخطوة الأميركية، ولو جاءت متأخرة، مدى قصور الديبلوماسية اللبنانية في الدفاع عن حقوق لبنان الحيوية، والعمل للحصول على إستثناءات دول الجوار من العقوبات الدولية المفروضة على بعض دول المنطقة، وخاصة سوريا، حفاظاً على المصالح الإقتصادية الاستراتيجية، على غرار ما هو حاصل مع تركيا التي حافظت على علاقاتها التجارية مع طهران رغم العقوبات الدولية على إيران، وكما جرى مع العراق الذي حصل على إعفاءات في العلاقات الإقتصادية والتجارية مع سوريا.

ولكن لا بد من الإعتراف بأن الإعلان عن تحرك باخرة المحروقات الإيرانية، قد أحرق الخطوات المتقدمة في الطبخة الحكومية، التي كان قد توصل لها الرئيسان عون وميقاتي، حيث خُيّل لفريق العهد أن الكفة الداخلية قد مالت لصالحهم، فعادوا إلى المناورات الفارغة من جديد، ونسفوا «الأمتار الأخيرة» الباقية للولادة الحكومية، كما أعلن الرئيس المكلف في نهاية الاجتماع العاشر مع رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي. وعاد الحديث معها عن النصف المعطل حيناً، والثلث المعطل أحياناً، فضلاً عن العودة إلى التمسك ببعض الحقائب الأساسية، وفي مقدمتها وزارات الداخلية والعدل والطاقة، والوزارة المستجدة في قاموس فريق العهد: وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي أصبحت اليوم: وزارة البطاقة التمويلية!

المفارقة أنه كلما أعلن الرئيس المكلف، أو رئيس الجمهورية، إقتراب الولادة الحكومية، يُفاجأ اللبنانيون بأن العقبات تزداد تعقيداً، وأن العراقيل من فريق رئيس الجمهورية تُعيق إصدار مراسيم الحكومة العتيدة، بل وتُعيد المفاوضات إلى المربع الأول، أو ما قبل.. قبل المربع الأول!

ويبدو أن صبر الرئيس نجيب ميقاتي قد بدأ ينفد، رغم كل ما عُرف عنه من حنكة ودراية في تدوير الزوايا، ومن مرونة في التعاطي مع الآخر، لأنه يكاد يستنفد كل المحاولات الممكنة للتوصل إلى صيغة حكومية مناسبة، ومقبولة داخلياً وخارجياً من دون أن يكون لأي طرف فيها الثلث المعطل، أو أي إمكانية للهيمنة على قرار مجلس الوزراء.

تكرار الرئيس المكلف بأن فترة التأليف ليست مفتوحة، وأن واقع البلد المأساوي يتطلب الإسراع في تأليف الحكومة، يُبقي ورقة الإعتذار مطروحة على طاولة التكليف، ووفق روزنامة زمنية يحتفظ بها ميقاتي لنفسه، بعيداً عن المزايدات السياسية والمواقف الشعبوية، على اعتبار أن مخاطر المرحلة الدقيقة التي ترمي بثقلها على الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، لا تحتمل صب خلافات الزيت السياسي على أوجاع الناس المكتوين بنيران أزمات الكهرباء والمحروقات والدواء والرغيف.

عواصم القرار الدولي، والمعنية بالأزمة اللبنانية، أصبحت على قناعة كاملة، واستناداً إلى معلومات دقيقة، بأن عرقلة تأليف الحكومة الإصلاحية تصدر من فريق الرئيس عون، وخاصة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أصبح معروفاً، بأنه يربط مراسيم الحكومة الجديدة، بفتح طريق بعبدا أمامه في الإستحقاق الرئاسي المقبل، وهو أمر أصبح من رابع المستحيلات!