وصلت الدفعة الأولى من صهاريج المازوت الإيراني الى لبنان بسلام، مُتجاوزة المخاطر الامنية، والعقوبات الأميركية على إيران، وقانون قيصر المتعلّق بسوريا، واعتراضات بعض القوى الداخلية.. فكيف ينظر «حزب الله» إلى هذه العملية المذيلة بتوقيعه وكيف يرد على من يعتبر انها تجاوزت القواعد القانونية المرعية الإجراء؟
مع إنجاز المرحلة الأولى من رحلة النفط العابر للحدود، شعر «حزب الله» بأنّ المهمة نُفذّت بنجاح كما كان مخططاً لها من دون أي أخطاء او عثرات، علماً انّ حمولة الصهاريج التي عبرت امس ليست سوى اول غيث الباخرة الإيرانية الأولى التي تحوي نحو 40 مليون ليتر من المازوت يحتاج نقلها الى ما يقارب 20 يوما، تكون خلالها قد وصلت الباخرة الثانية الى مرفأ بانياس وهكذا دواليك، بحيث ان عملية النقل ستصبح روتيناً يومياً حتى إشعار آخر.
ويؤكد المواكبون لـ»غرفة العمليات» النفطية في الحزب انّ هناك اقبالاً من مختلف الطوائف والمناطق على طلب حجز كميّات من المازوت وفق الآلية المحددة، نتيجة النقص الكبير في هذه المادة الحيوية لدى قطاعات واسعة. وعُلم انه من ضمن المناطق التي وردت منها طلبات للحصول على المازوت الوافد، المتن وكسروان وجزين وطرابلس…
ومع انّ الحزب يبدو حريصاً على عدم وضع قراره باستيراد النفط الإيراني في إطار تحدّي خصومه المحليين والخارجيين او استفزازهم، الا انّ ذلك لا يُلغي في رأي القريبين منه الحقائق الاستراتيجية التي تحملها البواخر والصهاريج، الى جانب كسر الاحتكار النفطي، ومن أًهمها سقوط مفاعيل الحصار وقانون قيصر على طريقة تدحرج حجارة الدومينو، وصولا الى اعادة وصل ما انقطع من شرايين وجسور بين لبنان وسوريا، «الأمر الذي من شأنه ان يفتح الباب أمام تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما بعد ركودٍ فَرضته القيود الأميركية وحسابات السلطة». والأهم، وفق هؤلاء، انّ هذا المسار من إعادة بناء الثقة وتفعيل العلاقات سيسمح للبنان بأن يحجز مكاناً متقدماً له في ورشة اعمار سوريا لاحقاً.
وامتداداً لهذه المقاربة، يعتبر المحيطون بـ»حزب الله» انّ مشهد دخول الصهاريج عبر الحدود الشرقية أثبتَ بالدليل القاطع صوابية خيار الحزب بخوض الحرب في سوريا ضد التكفيريين، لحماية عمقه الحيوي.
اما على الضفة الأخرى، فإنّ معارضي «حزب الله» في الداخل لم يتقبّلوا صورة الصهاريج النفطية العابرة للحدود، بل اعتبروا انها تشكل «تكريساً لدويلته المستقلة وانتهاكاً اضافياً لسيادة الدولة وقوانينها»، مُتسائلين عما اذا كانت تلك الصهاريج تمر عبر المعابر الشرعية وتخضع الى آلية استيفاء الرسوم الجمركية والمعايير المتعلقة بالبيع والضرائب؟
لكنّ المعنيين في الحزب يلفتون الى انّ مبادرته نابعة اساساً من تقصير الدولة وامتناعها عن تأدية واجباتها في تأمين المشتقات النفطية للمواطنين، «وبالتالي، هو لم يتدخل الّا بعدما استنفد كل فرص المعالجة من خلال الجهات الرسمية، وعندما اتخذ القرار باستيراد النفط الإيراني كان سبّاقاً الى محاولة إدخاله عبر المرافئ اللبنانية الشرعية والأطر الرسمية، خصوصاً انّ آلية الاستيراد برمّتها قانونية، بدءاً من التحميل في إيران، مروراً بالشركة المختصة والبواخر الناقلة وصولاً الى التفريغ في مرفأ بانياس. غير أنّ المفارقة العجيبة هي ان الذين يتهموننا الآن بتجاوز الأطُر الشرعية هم الذين رفضوا ان ترسو السفن على الشواطئ اللبنانية وان تفرغ حمولتها في المنشآت النفطية وفق الاصول، بذريعة الخشية من العقوبات، وقد تلقّينا اتصالات كثيرة فحواها: «دخيلكن.. اجلبوا المازوت والبنزين عبر سوريا، لأنّ لبنان لا يتحمّل هذه المخاطرة»، بل هناك من أبلغَ إلينا انّ «الحكومة لن تتشكّل اذا أتينا بالبواخر الى لبنان مباشرة».
ويشير المعنيون في الحزب إلى انّ «البعض كان يحذّر من عقوبات او ضربات اذا أتينا بالنفط، فلمّا لم تحصل لا هذه ولا تلك، تحوّل هذا البعض نحو افتعال إشكاليات حول آلية مرور النفط وحيثياتها، على قاعدة «عنزة ولو طارت»، بدل ان ينصَبّ الاهتمام على التعاون لمعالجة هموم الناس، وفي طليعتها أزمة البنزين والمازوت التي استنزَفت طاقتهم وكرامتهم».