IMLebanon

الحكم إيراني والغطاء أميركي

بقيت حكومة الدكتور حيدر العبادي ام لم تبق بشكلها الحالي ليست تلك المسألة. كلّ ما يمكن قوله، في حال تغيّرت هذه الحكومة ام لم تتغيّر وفي حال زار جون كيري وزير بغداد وقدّم كل الدعم الأميركي المطلوب للحكومة. كلّ ما يمكن قوله انّ شيئا لم يتغيّر في العراق. ما تأسس على خطأ لا يمكن ان يتحوّل الى صحّ. لا يمكن بناء دول حديثة بالاستناد الى ميليشيات مذهبية على رأسها رجال دين يقرّرون مصير البلد ويتنافسون في ما بينهم على اخذه الى اسفل، اي الى الحضيض. 

يردّ الآن عمّار الحكيم على مقتدى الصدر لاظهار ان «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية» لا يزال له وجوده وان الصدر لم يستطع انتزاع المبادرة منه. 

هناك معمّم في منافسة مع معمّم آخر، فيما حكم المباراة الإيراني يتفرّج على اللعبة الدائرة. تدخّل حكم المباراة في اللحظة المناسبة، فانكفأ مقتدى الصدر عن المنطقة الخضراء في بغداد. راح مقتدى الصدر يعيد حساباته، هذا اذا كانت له حسابات على الصعيد الوطني اصلا، بعدما تبيّن له انّ البلد لا يزال تحت السيطرة الإيرانية بغطاء أميركي لا اكثر.

ليست مشكلة العراق في حكومة ولا في شخص يرمز الى ميليشيا مذهبية أو الى حزب ليس سوى النسخة الشيعية للاخوان المسلمين.

لا تستطيع الاحزاب والميليشيات بناء دولة. ما يبني الدولة مجموعة اشخاص مؤهّلين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق يؤمنون بالعراق ومستقبل العراق والديموقراطية الحقيقية وليس بفتاوى رجال الدين.

لا مكان للمرجعيات الدينية سياسياً في ايّ دولة تحترم نفسها، تماما مثلما ان ليس في استطاعة من وصل على دبابة اقامة نظام ديموقراطي مبني على مؤسسات راسخة، وذلك بغض النظر عمّا اذا كانت هذه الدبابة محلية أو أميركية.

في العام 1958، وصل عبد الكريم قاسم الى السلطة على دبّابة محلية. لم يمتلك الرجل يوما برنامجا سياسيا أو اقتصاديا واضحا. ارتكب كلّ الاخطاء الممكنة من اجل وصول البعث الى السلطة. كان هذا البعث، على الرغم من عنصريته تجاه الاكراد، متنوعا في البداية. كان فيه سنّة وشيعة. انتهى الامر بوصول البعث التكريتي بتحالفاته المتشعّبة في العام 1968. 

قامر هذا البعث بالعراق ونجح في رهاناته مرّات عدة. من تأميم النفط في 1972، الى اتفاق الجزائر في 1975، الى خوض المواجهة مع مصر بسبب اتفاقي كامب ديفيد، الى وصول صدّام حسين الى السلطة في العام 1979، الى الحرب مع إيران بين 1980 و 1988. عمل كلّ شيء من اجل البقاء في السلطة فاطاحته في نهاية المطاف مغامرة احتلال الكويت في العام 1990 التي مهّدت للحرب الأميركية في العام 2003.

في مثل هذه الايّام من العام 2003، يوم التاسع من نيسان ـ ابريل تحديدا، سقط تمثال صدّام حسين في بغداد. بعد ثلاثة عشر عاما على هذا الحدث، هناك عراقيون يتساءلون لماذا لم يستطع البلد البناء على طي صفحة البعث نهائيا؟

الجواب بكل بساطة ان الأميركيين، الذين دخلوا الى العراق بتفاهم تام مع إيران، كانوا يجهلون كلّ شيء عن البلد وعن مدى خطورة الاستعانة بالميليشيات المذهبية. يبدو انّه لم يكن مطلوبا في اي وقت اعادة بناء العراق. كان مطلوبا تفتيت البلد. هل لهذا السبب مرّ اثنا عشر عاما وشهران بين اخراج صدّام حسين وجيشه من الكويت في شباط ـ فبراير 1991 وبين سقوط تمثال الرئيس العراقي السابق.

ما نشهده اليوم في العراق ليس وليد صدفة. هناك قرار أميركي واضح كلّ الوضوح في تغيير خريطة المنطقة انطلاقا من هذا البلد المهمّ الذي كان يمكن ان يشكل نموذجا صالحا للشرق الاوسط الجديد، بدل ان يتحول رمزا لانهيار الكيانات القائمة من جهة واستمرار الصراع الطائفي والمذهبي من جهة اخرى. 

يشكو وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع المنامة الذي ضمّه اخيرا مع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي من السياسة الإيرانية طالبا في الوقت نفسه مساعدة طهران «في انهاء الحرب في اليمن وانهاء الحرب في سوريا وفي تغيير ديناميات المنطقة»، معتبرا ان «على إيران ان تثبت العالم انها تريد ان تكون عضوا بناء في المجتمع الدولي وان تساهم في السلام والاستقرار». ينسى كيري انّ كلّ ما يشكو منه هو نتيجة مباشرة للشراكة الأميركية ـ الإيرانية في الحرب على العراق. هذه الشراكة التي بدأ يتحدّث عنها مسؤولون أميركيون في مرحلة الاعداد لتلك الحرب، بينهم زلماي خليل زاد الذي كان في مرحلة معيّنة سفيرا في بغداد.

هل في استطاعة الادارة الأميركية عمل شيء في العراق؟ هذا هو السؤال الاساسي. تعود كل مآسي المنطقة حاليا، اكان ذلك في اليمن أو سوريا أو لبنان، وصولا الى ما تتعرض له البحرين، الى السياسة الأميركية في العراق.

قبل ان يطلب وزير الخارجية الأميركي مساعدة إيران في العمل من اجل الاستقرار في المنطقة، يفترض به ان يتطرق الى مسؤولية بلده في وصول العراق الى ما وصل اليه، وذلك عندما تدخلت ادارة بوش الابن عسكريا واحتلت البلد من دون خطة واضحة تتعلق بالمرحلة التالية، مرحلة بناء الدولة. زادت ادارة باراك اوباما الطين بلّة عندما استسلمت نهائيا لإيران وغادرت العراق على عجل…

من يتصرّف بالطريقة التي تصرّفت بها القوّة العظمى الوحيدة في العالم تجاه العراق، لا يحقّ له تجاهل ما يجري في هذا البلد والتركيز على سوريا واليمن مع اشارة الى ان «على إيران ان تثبت للعالم انّها تريد ان تكون عضوا بناء في المجتمع الدولي وتساهم في السلام والاستقرار». فمن العراق، يمكن الانطلاق نحو تصحيح السياسة الإيرانية. ولكن هل من نيّة جدّية في ذلك؟

لا وجود لمثل هذه النيّة الأميركية للاسف الشديد. كلّ ما هناك كلام معسول موجّه الى العرب، خصوصا اهل الخليج، يعكس رغبة في تفادي التطرق الى صلب الموضوع والدخول فيه. 

صلب الموضوع ان هناك بلدا اسمه العراق، تتحكّم به ميليشيات مذهبية مرتبطة بإيران. تتصارع هذه الميليشيات بين حين وآخر وتدور مماحكات احيانا بين نوري المالكي وحيدر العبادي المنتمين الى حزب واحد هو «حزب الدعوة». ومتى تفلس الحكومة، ينادي مقتدى الصدر بالاصلاح، فيزايد عليه عمّار الحكيم، فيما الجميع يحذّر من خطر «داعش»!

يحدث كلّ ذلك باشراف إيراني. يلعب الإيراني دور الحكم في العراق، فيما يوفّر الأميركي الغطاء له. هذا لا يمنع الأميركي من التساؤل، ببراءة طبعا، ما الذي يحدث في هذا البلد الذي بات ساحة مفتوحة لكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي توفّر صورة حقيقية عمّا يبدو الشرق الاوسط مقبلا عليه.