IMLebanon

الحرب الخليجية ـ الإيرانية.. واقعة؟ أم سيناريو محتمل؟

   بعد لقاء جون كيري مع القيادة السعودية، بدا واضحا عدم إدراك الولايات المتحدة الأميركية لحجم التهديدات التي تقلقنا بالنسبة لإيران، بات علينا إذن أن نسمي الأشياء بأسمائها لا لإقناع الولايات المتحدة بها، بل للإقرار بأننا نخوض حربا فعلية مع إيران لا تنتظر اكتمال التخصيب النووي، بات علينا أن نقر بهذا الواقع فعلا لفك القيود التي تكبلنا في مواجهة الحرب التي نخوضها الآن ضد إيران.

نعم، نحن دخلنا الحرب في مواجهة إيران، والتأخر في الإقرار بهذه الحقيقة داخليا ودوليا سيحول بيننا وبين وضع استراتيجية حربية شاملة، وللحرب قواعد عامة وأصول وأعراف ترفع الحرج عن أي دولة تخوضها دفاعا عن النفس.

لا يغير من واقع الحرب أننا نخوضها بقواتنا الأمنية في البحرين وفي المملكة العربية السعودية، لا بجيوشنا ولا بقواتنا العسكرية، ولا يغير من واقع هذه الحرب أن إيران لم تقم بهجوم مسلح مباشر بقواتها المسلحة على منطقة الخليج، يكفينا أن ننظر إلى أعداد المنخرطين في صدامات مسلحة مع رجال الأمن، الشيعة منهم والسنة، الذين تحركهم إيران وتدعمهم، لنقر بأن أعدادهم تعادل أعداد «وحدة عسكرية» في الجيش.. إنها أعداد تفوق أعداد «كتيبة» أو حتى «لواء».

فالكتيبة من حيث العدد يتراوح عدد أفرادها من 300 إلى ألف، في حين يصل عدد أفراد اللواء إلى 5 آلاف فرد، أما الوحدة العسكرية أو الفرقة العسكرية فإنها تضم أكثر من لواء، وبالنظر إلى الأعداد التي تواجهها القوات الأمنية الخليجية، خاصة في البحرين والسعودية، مواجهة قتالية، وبالنظر إلى أعداد الضحايا من الطرفين فإن قواتنا الأمنية تواجه على أرضها فرقة عسكرية مسلحة كاملة العدد والعدة، تقف من ورائها قيادة عسكرية موحدة ومركزية، تمثلت في وجود قادة للألوية العسكرية في الحرس الثوري الإيراني نزلت ميدانيا على تخوم الدول الخليجية في سوريا والعراق واليمن تقود المعارك اليومية بنفسها، ومعها قيادات سعودية وبحرينية موالون وممولون من إيران داخل الأراضي الخليجية، يقودون كتائب عسكرية داخل الدول الخليجية، يحرك الواحد منهم أعدادا تتراوح بين 300 وألف مسلح، ماذا بقي إذن لإعلان الحرب؟

إن التنسيق بين هذه الكتائب الخليجية الموالية لإيران وقيادات الحرس الثوري الإيراني لم يعد خافيا، ويدل على وحدة القيادة العسكرية من حيث التزامن في الهجمات ومن حيث التكتيكات القتالية ومركزية المعلومات وتوزيعها، والأهم من حيث الهدف الاستراتيجي الذي يحركها.

أما تسليح هذه الفرقة العسكرية فهو يضم كل أنواع الأسلحة الفردية من مسدسات ومن كلاشنيكوف وأسلحة للقتل الجماعي، كالمتفجرات والقنابل بشتى أنواعها، فإذا أخذنا في الاعتبار حجم الأسلحة المصادرة بعد المداهمات في البحرين والسعودية والكويت، وتلك المستخدمة والتي لم تكتشف مخابئها بعد، فإنها قادرة على إحداث ضرر يوازي ما تحدثه الأسلحة الثقيلة على الأفراد وعلى المنشآت.

ومن اعترافات القيادات التي يلقى القبض عليها من الكتائب البحرينية والسعودية والكويتية، ندرك أنها تلقت تدريبا في معسكرات للحرس الثوري الإيراني يؤهلها لخوض معارك قتالية في الشوارع باعترافها حين القبض عليها، وبمراقبة طبيعة المواجهات مع رجال الأمن، فإنك لا تترد بأن تقر وبكل طمأنينة بأن التدريب واحد في جميع هذه الكتائب الخليجية.

ماذا بقي إذن حتى لا نسمي الأشياء بأسمائها ونقر بأننا نخوض فعلا وعلى أرض الواقع حربا حقيقية في مواجهة فرقة عسكرية مسلحة مدربة وممولة إيرانيا ومدعومة لوجيستيا داخل أرضنا؟ إنها حرب حقيقية أجبرت أن تخوضها قواتنا الأمنية وهي مقيدة باعتبار أن ما تواجهه «احتجاجات عنيفة» لا يوجب استخدام القوة المفرطة حيالها!! وقيدت دولنا ومنعت من التعاطي الواقعي الميداني معها لاعتبارات حقوقية إنسانية ولاعتبارات ديمقراطية غربية لا تحول بين الدول الديمقراطية وبين التصدي للإرهاب في تلك الدول.

لم علينا أن ننتظر بعد هذا كله أن «تقتنع» الولايات المتحدة الأميركية بأن الحرب مع إيران قد بدأت فعلا وسارية وجارية على الأرض في دولنا ولا تنتظر اكتمال التخصيب؟

إن تقييد النشاط النووي الإيراني لن يغير واقعا ميدانيا على أرض منطقة الخليج، فالنشاط النووي الإيراني لم يكن سوى ورقة مفاوضات أميركية – إيرانية ولم يشكل تهديدا على دول الخليج بعد، أما الخطر الحقيقي فهو حرب تخوضها «فرقة عسكرية» موزعة كتائبها على أكثر من موقع، حرب تخوضها دولنا وهي مقيدة في حراكها لاعتبارات دبلوماسية.

إن رهان إيران قائم على تقييد القرار العسكري للدول الخليجية من خلال التطمينات الأميركية ومن خلال الحرج الدبلوماسي الدولي الذي يحول بين تدخل القوات العسكرية تدخلا ميدانيا لمواجهة هذه الفرقة بشكل يتناسب وحجم مخاطرها وقوتها.

إن تعاطينا المتردد والذي يكابر ويتجنب الإقرار بهذا الواقع قيد قرار مواجهته بمعطياته الواقعية.

إن ترددنا انعكس على مستوى التنسيق بين قياداتنا الميدانية الأمنية الخليجية والعربية الذي لا يرقى أبدا إلى حجم هذه الحرب التي تخوضها لا على مستوى الدعم اللوجيستي، ولا على مستوى الدعم الميداني؛ إذ ظلت الأجواء الاحتفائية تغلب على جدول أعمال اجتماعات القيادات بدلا من الاجتماع على طاولة حرب.

التنسيق والتعاون الأمني ما زال يتحرك بديناميكية «الفزعات» أو تحركا جماعيا يتسم باستحياء، حتى تصريحاته لا ترقى إلى بيانات اللغة الصارمة الحازمة التي تحتاج إليها هذه الظروف، فما زلنا نشعر أننا بحاجة في كل مرة نتحرك فيها إلى «تبرير» التعاون والتنسيق فيما بيننا!

لدينا عدو مشترك يحاربنا لإسقاط دولنا بحرب ضروس ولسنا أمام «احتجاجات شعبية» تفرق بالمياه وبمسيل الدموع.. هذا ما يجب أن نملك الجرأة في إشهاره كواقع أمام العالم.

مصر حين أقالت وزير داخليتها لأنها مثلنا في حيرة تتساءل: كيف يمكنها أن تواجه فرقا عسكرية بقوات أمنية لم تُعد وتهيأ لمثل هذه المهمة؟ هي تراوح مثلنا في دولنا الخليجية كيف تخوض معارك قتالية مع ألوية عسكرية بعددها وعتادها بلا استراتيجية حربية تنزع المسؤولية من على وزراء الداخلية وتعقدها لمجلس للحرب أعلى يضم القوات الأمنية والعسكرية ووزارات السيادة، طبيعة القتال الذي تخوضه هذه القوات يفوق مستوى إعدادها وتهيئتها وتدريبها.

قواتنا الأمنية تخوض هذه الحرب، ودولنا مترددة، تخشى أن تعلن هذه الحقيقة، وتطالب الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي بأن «تتفهم» أننا لا نستطيع أن نواجه حربا حقيقية «بمظلة نووية» كالتي عرضها علينا جون كيري، فذلك عبث ومواجهة افتراضية لا تصد قنابل ومتفجرات وكلاشنيكوفا وقذائف نارية يواجهها رجال أمننا يوميا.