Site icon IMLebanon

إنها أزمة أخلاق وشرف

 

لماذا هي أزمة أخلاق وشرف؟

 

منذ أن خرج جيش الوصاية العلوية من باب لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، دخل من النافذة الجيش الإيراني في ميليشيا حزب للوصاية، وليكون لبنان لهم!

 

ومنذ سبعة عشر سنة ولبناننا لا علاقة له بلبنانهم، يخدم المصالح والسّياسة والنفوذ الإيراني، ولبناننا في خبر كان! في الآونة الأخيرة ظهرت في الأفق غيوم:

 

1-حزب الله يهدّد بالحرب الأهلية.

 

2-حزب الله في زيارة لموسكو حيث طُلب منه الإنسحاب من سوريا وسحب الصواريخ من لبنان وإعادتها الى ايران، وعلى ما يُقال أنه لم يقبل!

 

3-سلام وصلح في اليمن.

 

4-ايران قصفت عدة مواقف عسكرية اميركية في العراق، ولا يمكن القول ان هذا تمهيد جيد متفائل لتسوية ايرانية اميركية ترفع العقوبات عن ايران؟

 

5-طبّعت اربع دول عربية وتصالحت مع اسرائيل اخيراً، وأخبار اليومين الأخيرين تقول ان هناك اربع دول أخرى هي في الطريق وبينها سوريا وبضغط من روسيا.

 

6-هناك تقارب سعودي اسرائيلي في الأفق، وقد صرح رئيس وزراء اسرائيل ان اسرائيل ستفتح خطاً جوياً قريباً بين الرياض وتل أبيب.

 

7-لم يعد العراق ايرانياً، فرئيس الوزراء العراقي نجح في تضييق النفوذ الإيراني وفي الإمساك بالعراق بيد من حديد عراقية قوية تُغلّب مصالح العراق على ايران!

 

8-تصالحت دول الخليج وعادت قطر الى أهلها.

 

9-في الأيام القادمة تُحضر دول التحالف الأوروبية مع اميركا سلسلة عقوبات على مجموعة من السياسيين اللبنانيين الذين يعرقلون سير مصالح الدولة بالفساد والولاء لإيران وحزب الله ويعطلون تشكيل الحكومة!

 

10-مصالحة قريبة بين مصر وتركيا.

 

11-بفشل الإتفاق على تشكيل الحكومة اعلن الطلاق البائن بين ميشال عون وسعد الحريري واندلعت حرب شرسة الى الآخر في المدة المتبقية من ولاية ميشال عون، التي سيحاول سعد الحريري ان يجعلها قصيرة وسيجهد ميشال عون مع صهره بجعلها كاملة ومحاولة عزل سعد الحريري عن تكليفه الملزم.

 

ولو كان ميشال عون مُغلِّباً ذكاءه على احقاده لكان وقّع تشكيلة سعد الحريري الحكومية واحالها الى مجلس النواب للحصول على الثقة ولكان بمساعدة راعيه حزب الله، قد أسقط الحكومة بأكثرية حزب الله والعونيين والممانعين (؟) في مجلس النواب، ولكان ألّف إذ ذاك الحكومة التي يريدها!

 

اذا صحّت هذه الأخبار وكلها واردة في الصحف الأوروبية والأميركية فإن ذلك ينبئ بأن اتجاه الرياح ذاهب الى تغييرات عظيمة أهمها:

 

1-سقوط النظام الإيراني والعودة ليس الى نظام الشاه بل الى نظام محمد مُصدّق.

 

2-في لبنان، لن تُقطع الطرق بعد الآن ولكن الثوار سيدخلون منازل ومكاتب كل الطبقة السياسية، الطبقة الأعلى وهي من عشرة أشخاص ثم الطبقة الثانية وليست اكثر من 25 شخصاً ثم النواب والوزراء والمدراء العامين والمقاولين، وفي هذه المنازل لن تكون للطبقة الحاكمة منازل تحميها لأن الأمن لن يكون حامياً للفساد، وسيجد الثوار في هذه المنازل ما يفسر نهب مئات مليارات الدولارات من خزينة الدولة.

 

3-سيعود لبنان بلد السياحة والثقافة والإستشفاء والعلم وسيكون الحكم في لبنان «شهابياً» وفي سوريا والعراق لا مركزية واسعة جداً تعطي لقيصر ما لقيصر وتعطي للبلد ما للبلد.

 

4-ان الفرق بين فؤاد شهاب وميشال عون يضع رجلاً يكافح ضد انهيار حضارة مقابل فردٍ يستهزئ بزوال الحضارة شرط أن يتمكن من العيش على أنقاضها كحاكم فارسي بذّاخ. الأوّل يضحي بحياته ليخلص لبنان والثاني يضحي بلبنان ليخلص نفسه. الأول يريد لبناناً قوياً وكبيراً وجباراً يكون قدوة للعالم العربي والثاني يريده ضعيفاً وصغيراً وعاجزاً يقوده العالم العربي وايران. رئيس الدولة لا يستخدم الدولة بل يخدمها، لأنه هو بنفسه أداة موضوعة لخدمة الإرادة الشعبية. الكلمة الأخيرة للجمهورية هي اذاً العملية الإنتخابية التي تسمح بمعرفة ما يريده الشعب. في هذه الحالة، إنّ هدف رئيس الدولة ليس أن يقوم بكل ما في وسعه ليتم انتخابه او اعادة انتخابه، بل ان يقترح عقداً اجتماعياً هو وحده قادر على نقضه.

 

5-الوطن ليس اداة حربية فقط. ولا هو في جيب امير المؤمنين فقط. بل هو مسرح بشري كبير يضحك الناس فيه ويبكون ويضجرون ويتشاجرون ويعشقون ويمارسون الجنس ويسكرون ويصلون ويؤمنون ويكفرون وينتصرون وينهزمون. ولكن اذا أبقوا لبنانهم نصفه زنزانة ونصفه حراس! ولكن اذا بقوا معانقين وسائدهم التي ينامون عليها منذ ثلاثين عاماً ورياح الفكر العالمي تلطم نوافذهم بدون هوادة! ولكن اذا لم تتحقق الأخبار المفرحة ولم نذهب الى النعيم بل الى جهنم التي وعدونا بها! واذا ودّعنا كافوراً فجاؤونا بألف كافور وأكثر الى ماذا اذاً نحن اذ ذاك ذاهبون؟

 

الى الثورة من جديد!

 

ولكنها ثورة من نوع آخر، اكبر بكثير من ثورة 17 تشرين.

 

ان الشوارع الآن وليست القصور هي التي تقرر المصائر في عصر جديد. ان هناك لحظات في التاريخ تصبح فيها الميادين المفتوحة اقوى من القلاع المحصنة، وتصبح فيها المظاهرات السلمية سلاحاً افعل من عتاد الجيوش وتصبح فيها الفكرة اعلى دوياً من القنابل حتى ولو كانت ذرية.

 

هذه المرة سيدخل الثوار بيوت الطبقة الحاكمة ومكاتبها!

 

وللإنصاف أكثر فما زالت هناك اصوات تحاول ان تقول شيئاً ولكنها ما زالت بعد في مرحلة الهمس المنفرد كعصفور يطل برأسه من داخل عشه في جذوع الشجر ليرى اذا كانت عواصف الشتاء قد انقشعت وظهرت بعدها تباشير الربيع. وتكتشف العصافير ان ليل الشتاء ما زال مظلماً وما زال صقيعاً.

 

سيأتي اذ ذاك دور بطل الثورة البطريرك الراعي الذي لا تسقط الكلمة الطيبة من فمه لأنها جزء من فمه! ليقول كلاماً يشبه رائحة العطور ويحفظ للكلمة كبرياءها واذا كتب فأصبى من الصبى وأحلى من العافية.

 

ان الشعب أو الأمة كائن حي، ومثل اي كائن حي فإن مرحلة الانتقال من حال الى حال، ومن طور الى طور هي دائماً من اصعب الفترات.

 

فالشعب او الأمة – في مثل هذه المرحلة من الحركة- مُعرّض ومكشوف لأنه يجتاز خلاء واسعاً ليس عليه دليل، ذلك لأن كل حياة تختلف عن اي حياة أخرى وكل تجربة لها خصائصها لأنها موصولة بذات معينة.

 

اذ ذاك لا يسأل الغارق في الأمواج لماذا هو مبلل وصراعه مع الأمواج ارادي ام غير ارادي؟

 

وقتها سيكون العونيون متفرجين على المسلسلات التلفزيونية يتعاطون حبوب النوم ونشرات الأخبار ومورفين «ما يطلبه المستمعون».

 

الذين وصلوا الى سن ميشال عون يعانقون اكياس الماء الساخن ويشربون كؤوس البابونج ويتعاطون ادوية الروماتيزم وينظمون قصائد موسمية تجلب الروماتيزم من مساحة الف ميل، ولا يعملون على التعطيل وعلى شلّ حالة البلاد.

 

فليس هذا لبناننا المصنوع من عشرين دكاناً وعشرين صرافاً وعشرين حلاقاً وعشرين جهاز مخابرات وعشرين قرصاناً وطبال وراقصة، لبنان تبييض العملة والمخدرات والاغتيال، هذا ليس لبناننا انه لبنان حزب الله.

 

اذ ذاك لا تطلبوا منا ان نحتفظ بنقائنا ونظافة ملابسنا في منجم من فحم.

 

اذ ذاك سنقيم دعاوى جزائية بالجملة على طبقة «الأربعين حرامي» امام المحاكم الدولية بتهمة تخويف لبنان وتعليبه واستثماره واذلاله وابتزازه ونهب ثرواته وسنسكن في المحاكم ونقدم اللوائح ونقوم بالمرافعات ونستدعي الشهود ونعرض على المحكمين والقضاة ادوات الجريمة وثياب المغدور.

 

من اجل ان تشرق شمس الحرية على لبنان فيتغير تركيب دمه ليصبح من فئة لا تشبه فئات الدم الأخرى بل تجعله اشبه بماء الورود. وسنذكر عمر الزعني حين كتب عن الفرنك (واليوم ايام الدولار):

 

«حاسب يا فرنك الله يخليك – يرفع مقامك ويعليك- ويهديك بقى على مين يهديك- قبل ما نفلس يا شريك- طفرانين عدمانين- ارواحنا مربوطة فيك- يا فرنك دخلك حاسب».

 

آه يا طبقة الخيانات، يا طبقة العمولات، يا طبقة النفايات، يا طبقة الدعارة، يا طبقة الاغتيالات سوف يجتاحك مهما ابطأ التاريخ فرسان الحرية.

 

الإنهيار الذي يعاني منه لبنان كل يوم اكثر فأكثر هو في حقيقته أزمة اخلاقية وأزمة شرف!

 

لن ينقذنا الا ابطال الخلق العظيم والوطنية مثل البطريرك الراعي.