تؤكد طهران باستمرار انفتاحها على جميع القوى السياسية في الداخل اللبناني واستعدادها لمَد الجسور في كل الاتجاهات، على الرغم من أنّ خصومها في لبنان يتهمونها بالسعي الى فرض الوصاية عليه وتحويله ورقة في صراعاتها الاقليمية والدولية.
بعثت ايران، في أكثر من مناسبة، إشارات ورسائل حول جهوزيتها لتسليح الجيش اللبناني او المساهمة في معالجة أزمة الكهرباء، وغير ذلك من المجالات التي يمكن ان تكون مساحة للتعاون المشترك، لكنّ الدولة اللبنانية لا تزال تتجنّب حتى الآن قبول «العروض» الايرانية، إمّا بسبب الانقسام الداخلي حول مبدأ التعاون مع طهران التي تشكّل عصب محور المقاومة في المنطقة، وإمّا نتيجة الخشية من العواقب التي قد تترتّب على هذا التعاون في ظل العقوبات الاميركية المفروضة على ايران، حيث يتخوّف البعض في هذا السياق من الغضب الاميركي وما يمكن أن يَستتبعه من عقاب بحق لبنان.
ومع ذلك، تبدو طهران في سياساتها المعتمدة حيال بيروت وكأنها تسعى الى احتواء التناقضات اللبنانية وعدم الاصطدام بها. وبالتالي، «تَتجاهل» في أحيان كثيرة الانتقادات التي توجهها اليها جهات او شخصيات سياسية، ساعية الى المحافظة نسبياً على خطاب ديبلوماسي هادئ في مقاربة الملف اللبناني، ولاسيما في شقه الداخلي المتعلق بالشؤون المحلية.
تعتبر ايران أنّ «حزب الله» هو الأدرى بتفاصيل الواقع الداخلي وطريقة التعامل معها، ولا تجد انّ هناك حاجة او مصلحة في ان تَزجّ بنفسها في هذا «المستنقع» الذي جرّب كُثر من الخارج الخَوض فيه، ثم ما لبثوا ان خرجوا منه مُنهكين.
امّا على مستوى الصراع الاستراتيجي مع اسرائيل، فإنّ طهران مرتاحة لخيارات الدولة اللبنانية على هذا الصعيد، وكذلك لطريقة إدارة «حزب الله» هذه المواجهة التي دارت آخر فصولها قبل ايام في محاذاة مستوطنة أفيفيم، الواقعة على مقربة من الحدود الجنوبية. وبالتالي، فإنّ ايران لا تجد انّ هناك ما يستدعي ان تكون «متوترة» في سلوكها او خطابها على صعيد الساحة اللبنانية.
ضمن هذه البيئة السياسية، وتحت مظلة الانفتاح على جميع المكونات، تَواصَل المستشار الثقافي الايراني الدكتور عباس خامه يار، قبَيل نحو أسبوع، مع دار الفتوى لترتيب زيارة لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي لم يتأخر في تلقّف المبادرة الايرانية حياله، وحدّد يوم امس موعداً للقاء المستشار، بعد مرور فترة من الانقطاع بينه وبين الجانب الايراني.
وتكتسب زيارة المستشار للمفتي في هذا التوقيت دلالات سياسية ورمزية عدة، خصوصاً انها تأتي في عكس مسار الرياح التي تحاول جرف المنطقة نحو مواجهة سعودية – ايرانية من جهة، وسنية – شيعية من جهة أخرى.
وفي المعلومات، انّ المستشار خامه يار وَجّه دعوة خطية الى المفتي دريان لزيارة طهران، والمشاركة في مؤتمر «الوحدة الاسلامية» المزمع عقده في العاصمة الايرانية بعد نحو شهرين، الأمر الذي يعطي إشارة واضحة الى رغبة ايران في تفعيل الحوار وتوثيق الصلات مع الطائفة السنية في لبنان ممثّلة بمرجعيتها الدينية.
وعُلم انّ الزائر الايراني أكد امام دريان حرص طهران على مَد الجسور في اتجاه كل اللبنانيين، وشجّعه على زيارة ايران، حيث أبلغ اليه انه ستكون هناك فرصة للتحاور معه مباشرة ومناقشته في هواجسه، إضافة الى انه ستكون لدى المفتي الفرصة ليطّلع عن قُرب على واقع ايران، ويسمع من الايرانيين حقيقة مواقفهم، من دون تأويل او تحوير.
وتطرّق الاجتماع ايضاً، وفق مصادر اطّلعت على مجرياته، الى الاعتداء الاسرائيلي الاخير على الضاحية الجنوبية، حيث أشاد الضيف الايراني بالموقف اللبناني العام والمتقدّم ضد هذا الاعتداء، معتبراً انّ الوحدة الوطنية التي ظهرت في مواجهة ما ارتكبته اسرائيل هي درس يُحتذى ويجب تعميمه.
وكرّر دريان امام المستشار الثقافي الايراني استنكاره الشديد لخرق العدو الاسرائيلي للسيادة اللبنانية وأمن الضاحية، لافتاً الى انّ التنديد بهذا الخرق هو واجب الجميع.
وشمل النقاش واقع العلاقات الاسلامية – الاسلامية، فشدد المستشار الايراني على أهمية دور العلماء في التصدي لمشاريع الفتنة الطائفية والمذهبية، وضرورة حَشد كل الطاقات والجهود لمواجهة الخطر الاساسي المتمثّل في العدو الاسرائيلي ومخططاته، كما تطرّق البحث الى الجانب الثقافي المتصِل بلبنان وايران.