Site icon IMLebanon

فرادة لبنان على مسار الإشتباك الإيراني الإسرائيلي

 

تتأهب دول الهلال الشيعي لتلقي المهام بناء على الخيار الذي سيتخذه المرشد علي خامنئي في معرض رد طهران الوازن على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس اسماعيل هنية، وفي غمرة التريث وربما التخبط الإيراني تنشط العمليات الميدانية على جبهة الجنوب وتمعن إسرائيل في ارتكاب المجازر في غزة ـــــ وآخرها في مدرسة التابعين ــــــــ وتمهد لعمليات جديدة في خان يونس فيما تستحضر الولايات المتحدة كل صنوف التعزيزات العسكرية الى المنطقة.

لقد وحّدت عمليتا إغتيال كبير قادة حزب الله فؤاد شكر واسماعيل هنية المشهد من جنوب لبنان الى طهران مروراً بمواقع انتشار الأذرع الإيرانية، مما أفقد طهران مرونة استخدمتها دائماً في صلب مناوراتها المستندة إلى الدمج بين الدبلوماسية والميدان، وهي ما سمحت لها بالإستثمار في أذرعها على امتداد الإقليم دون الغرق في وحول ميادينه.  إنّ استحالة رسم سيناريو لتداعيات ما بعد الرد الأول، سواء إنطلق من لبنان أو من طهران أو من أي مكان آخر، وارتفاع نسبة المخاطر المترتبة على ذلك هو ما يقف خلف تريث طهران وإحجامها عن دخول المواجهة. هذا ما تعبّر عنه تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين التي لا يمكن أن يعزى تناقضها في الشكل إلى توخي تحقيق المفاجأة  وإرباك العدو فقط، كما يطيب للبعض تفسيرها.

 

المشهد المقابل في تل أبيب ليس أكثر تعافياً منه في طهران، فالقلق الإسرائيلي لم تبدده التقييدات التي وضعتها دول الإقليم على مسارات الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، كما أن ضخامة التعزيزات الأميركية التي استقدمت الى المنطقة لا تبدو كافية لطمأنة قادة العدو. صحيح أن التفوق في ميزان القوى الذي فرضته الولايات المتحدة، بجسامة حضورها العسكري في المنطقة وقدراتها الهجومية غير المسبوقة، لن يسمح بتدمير البنية التحتية لإسرائيل أو بقلب الموقف لصالح طهران، ولكنه يؤكد بالمقابل أن لواشنطن حساباتها في كيفية إدارة المنطقة بعد جلاء الموقف. وبمعنى آخر فرض معادلات جديدة سواء بالوسائل العسكرية أو بإظهار القدرة على الردع، وعدم السماح بالعودة إلى المعادلات التي كانت قائمة ما قبل السابع من أكتوبر، وهذا ما لن يؤاتي ما ترومه كل من تل أبيب وطهران. وما الدعوات الأوروبية لطهران للعدول عن تسديد ضربة لإسرائيل أو التسريبات الإيرانية لمقايضة الهجوم المفترض بتخفيف العقوبات التي تفرضها واشنطن وتحرير بعض رؤوس الأموال أو معاودة التفاوض على الملف النووي سوى محاولات لا تبدو  كافية للحؤول دون مواجهة مجهولة الأفق والنتائج.

في غزة تأخذ واشنطن المشهد الى مكان آخر بعد البيان المشترك الذي وقّعه كل من أمير قطر ورئيسا الولايات المتحدة ومصر والذي حضّ الوسطاء وطرفيّ النزاع على استئناف المحادثات في 15 آب/ أغسطس «لسد كل الثغرات المتبقية وبدء تنفيذ الإتفاق بدون أي تأجيل». تعتقد واشنطن أن صفقة إطلاق الرهائن والتزام إسرائيل وحماس وقف إطلاق النار في غزة هي السبيل الوحيد لتهدئة التوترات الإقليمية التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وهو ما يمكن أن يخرج طهران من مأزقها ويقدم مخرجاً لها للتخلي عن تهديداتها تحت عنوان تقديم ما يريده الفلسطينيون على الثأر لاغتيال اسماعيل هنيه.

تعوّل الدول الواقعة تحت مسارات الصواريخ الإيرانية على نجاح مفاوضات غزة في 15 من الجاري وتتأهب في الوقت عينه لإسقاطها أو السماح لواشنطن بإسقاطها، فيما يبقى رهان طهران على الإستثمار في نجاح المفاوضات لتجاوز الأزمة الحالية محفوفاً بمخاطر الحسابات الأميركية التي سيُرسي معالمها ميزان القوى الجديد.

قد يكون القاسم المشترك في مواقف الدول الموجودة قسراً  أو طوعاً على مسار الإشتباك الإيراني الإسرائيلي هو احتفاظ حكوماتها بالقدرة على تحديد خياراتها، وفي هذا الإطار تسجل حكومة لبنان سابقة فريدة فهي تخلت عن دورها في الدفاع عن حدود لبنان وعن حقها في التفاوض بإسم لبنان، وآخر مآثرها هو تكليف المواطنين بالإهتمام بأهلهم الذين اضطرتهم الإعتداءات الإسرائيلية للنزوح من قراهم. ويبقى السؤال هل يعني تعثر أو نجاح مفاوضات غزة  في 15 الجاري شيئاً لحكومة لبنان، وهل تنتظر الحكومة وصول آموس هوكستين الى بيروت لتذكيرها بواجباتها؟

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات