IMLebanon

روايات إيرانية عن حرب «المحمدين» وانتظارات اليمن

كلام في السياسة | 

يضحك الإيرانيون عند سماعهم أنهم قد يقبلون أو يعرضون صفقة مقايضة بين بلد وآخر على خارطة اهتماماتهم من أفغانستان حتى المتوسط. خصوصاً في موضع الرئيس السوري بشار الأسد وإزاء التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية. في روايتهم لوقائع هذا التطور الكبير في مجرى الأحداث، يكادون يوحون بأن الغرب لم يعد في وارد أن يتقاضى أي ثمن مقابل بقاء الأسد في منصبه.

لا بل قد يصل الغرب نفسه، وفي مرحلة وشيكة، إلى حد دفعه الأثمان لقاء تحقيق مطالب غربية واضحة ببقاء الرئيس السوري الحالي، كضمانة للتسوية المقبلة في دمشق، ومن أجل مواجهة الإرهاب الذي وصل إليهم، ودرء تداعيات الفشل الذي أصابهم في معركة سوريا.

يستدلون على ذلك بالكشف أنه يوم ذهب قاسم سليماني ليقنع بوتين بالدخول في الحرب، لم يكن الغرب بعيداً عن المباحثات. ولما اتخذ القرار الروسي، نقل الغربيون إلى موسكو رسالة واضحة، مفادها: لا مشكلة لدينا مع تدخلكم. لكن نريد منه ومنكم مسألتين اثنتين: أولاً ألا تكون رئاسة الأسد بلا نهاية زمنية. وثانياً ألا يعود الإرهابيون الذين انتقلوا من الغرب للقتال في سوريا، إلى بلدان انطلاقهم مجدداً! كل ما تبقى قابل للبحث والنقاش.

لا مقايضات إذن ولا صفقات ولا أثمان مقابل أي وضع يتم تثبيته على الأرض. المكان الوحيد الذي يبدو الإيرانيون غير حاسمين في شأنه، هو جنوب اليمن تحديداً. أما الأسباب فتبدو شبه بديهية: أولاً، استحالة أن يتمكن فريق الشمال اليمني من السيطرة العسكرية أو حتى السياسية على كامل مستنقع اليمن بشتى حقول قتله وألغامه ورماله المتحركة والمتفجرة. ثانياً، ملامسة تلك الحدود البحرية في اليمن الجنوبي، لخطوط حمر دولية مرتبطة بجيوستراتيجية الممرات المائية وحركة التجارة العالمية وخطوط نقل النفط. وثالثاً، لأن أي مكسب قد يحققه خصوم إيران في جنوب اليمن بالذات، سيكتشفون لاحقاً أنه لم يكن غير هدية مفخخة. إذ ماذا سيفعل السعوديون بيمن جنوبي، منقسم بين كل صراعاته، وبين دولة «القاعدة» في حضرموت الممتدة حتى حدودهم؟!

بهذا المنطق يبدو الإيرانيون مقتنعين بأن حكام الرياض لن يتأثروا بأحداث سوريا. حتى ولو حسمت المعركة في دمشق لصالح الأسد كلياً. سيظلون على نهج مكابرتهم. وسيستمرون في سياسة الإنكار. في انتظار اليمن. يرتقب الإيرانيون تحول السعوديين عن مغامراتهم والمقامرات. يرتقبون ذلك استناداً إلى توقع الإرباكات السعودية الكثيرة المقبلة. انطلاقاً من «دواخلهم» الكثيرة المعقدة والمتداعية، معطوفة ومضاعفة بما قد يواجهون بين عدن والمكلا. أي «دواخل» يلمح إليها الإيرانيون؟

أولها الداخل العائلي للنظام. يتحفظ الإيرانيون كثيراً عن الدخول في تعقيدات الوضع الداخلي لتركيبة النظام في الرياض. غير أن رواياتهم المثيرة لما حصل في كارثة منى، بما سبقها وأعقبها، تكشف الكثير من تلك التفسخات السعودية، ومن فصول حرب المحمدين، بن نايف وبن سلمان خصوصاً. تكتشف مثلاً كيف أن سمة دخول السفير غضنفر ركن أبادي لم تصله من وزارة الداخلية السعودية، معقل بن نايف. بل جاءت مشفوعة برسالة من بن سلمان، أنه هو من سهلها. وكيف أن نفي شاشة سعودية لدخول أبادي السعودية بعد وقوع الكارثة، كان مؤشراً إلى أمر مريب وخطير في العلاقة بين الرجلين. والأمر نفسه تكرر في مسألة التحقيقات في موت الحجاج واستعادة الجثامين. خصوصاً في ظل روايات عن مشاهدة أبادي حياً بعد المأساة، يساعد في إجلاء الجرحى!

بعد الداخل السعودي العائلي، يبرز الداخل السعودي السني. فحرب بن نايف على «القاعدة» طيلة أعوام 2003 – 2009، يبدو أنها ولدت حرباً جديدة لم تبدأ بعد، بين آل سعود وداعش. بدليل التفجيرات الأخيرة وحوادث الحدود وأخبار متواترة غزيرة عن أوضاع أمنية تلامس التسيب هناك. ثم يأتي الداخل السعودي السني – الشيعي. هنا أيضاً ثمة حقل ألغام آخر يبدو السعوديون مدركين لخطورة وطئه. فضلاً عن داخل سعودي مقلق آخر، هو الداخل الاقتصادي والمالي. مع نظام أنفق منذ تسلمه مطلع هذا العام، نحو خمس احتياطه المالي السيادي. ووضع موازنته السنوية على قاعدة 80 دولاراً أميركياً لبرميل نفط انهار إلى نصف حساب الموازنة. فضلاً عن احتياجات متضخّمة لمواجهة استحقاقات النظام كافة، في حربه اليمنية، وحروبه الداخلية، وسياسته في الإنفاق المفرط لإسكات المعارضين وشراء الذمم. ليبقى الخارج الخليجي عاملاً آخر ضاغطاً على الرياض، بكل ارتجاجاته من البحرين والعراق إلى الكويت وطبعاً اليمن، خانة الانتظار اليمني المتيقن.

غير أن الإيرانيين رغم تلك الانتظارات كلها، يؤكدون أنهم لا يراهنون على سقوط نظام آل سعود ولا يرغبون فيه. كأنهم يعتقدون أن هذا النظام الذي قام منذ نحو ثلاثة قرون على ثنائية التحالف الوهابي – السعودي، سيكون عند انهياره معرضاً لضرب جناحه السعودي وبقاء جناحه الوهابي حياً. وهو الأكثر خطورة. يخشى الإيرانيون تحول الرياض إلى أرض جديدة لدولة داعش. حتى أنهم صارحوا الغرب بذلك. وأبلغوا محاوريهم الغربيين أنهم على استعداد لمساعدة السعوديين على الخروج من مآزقهم. لا بل قدموا الأدلة والبراهين للغرب على قيامهم فعلاً بكل ما يرونه ممكناً ومنطقياً لذلك. مددنا لهم يد الحوار في العراق، وفي سوريا، وفي اليمن. لكنهم رفضوا ويرفضون، بحجة المكابرة لا غير. لا يمكن تقديم أكثر من ذلك. كل ما بقي هو انتظار إقلاعهم عن الإنكار. وانتظار ذلك في اليمن تحديداً.