IMLebanon

«النووي الإيراني» بين الانفجار والانفراج والصفقة المنفردة

مجموعة من التساؤلات من وحي المرحلة الراهنة:

هل يجب الترحم على صدام حسين العراق ووزير إعلامه الشهير محمد سعيد الصحاف وقصة «العلوج»؟

وهل يجب الترحم على معمر القذافي «وجماهيريته وشعاراته الشهيرة»: بيت بيت… زنقة زنقة»!

وهل يجب الترحم على الدكتور محمد مرسي «وإخوانه» في مصر؟

وهل يجب الترحم على عهد علي عبدالله صالح، اليمن؟

وهل يجب الترحم على حافظ الأسد، سورية؟

وهل يجب الترحم على نوري المالكي، العراق؟

وهل… وهل وهل…؟

ومن سخريات الأقدار، أن يصبح الخيار أمامنا بين الزمن الرديء والزمن الأكثر رداءة، في وقت أعاد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) المنطقة بكاملها إلى عصر الجاهلية وما قبل صدر الإسلام.

وإذا ما انتقلنا من الرومانسية العربية التي تأخذنا بعيداً في الأحلام، والخيال المجنح، وعدنا إلى مواجهة الواقع العربي القائم حالياً بكل مآسيه، تبدو الصورة أمامنا كلوحة سوريالية منفرة ومستفزة للمشاعر.

وفي الانتقال إلى ما هو قائم تطالعنا مجموعة من الوقائع سنعرض لها كما يأتي. تبدو منطقة الشرق الأوسط في شكل خاص والعالم في شكل عام رهينة للافتة عملاقة وفي عنوان عريض هو: «الملف النووي الإيراني». ومع اقتراب الفترة الزمنية التي تم الاتفاق عليها وهي في حدود نهاية شهر آذار (مارس) المقبل، تبدو الأمور معلقة مع ارتفاع حمى المصالح الإقليمية والدولية وتقاطع بعضها، وتعارض البعض الآخر كأنها عشية تحول مصيري تتشابه شروطه في شكل من الأشكال مع «تفاهمات» سايكس بيكو مع انقضاء مئة عام أو قرن على تلك التفاهمات، على رغم الاختلاف في الكثير من التفاصيل.

وعلى صعيد الوقائع حصلت «الحياة» من مصادر تتمتع بنسبة عالية من الصدقية والمواكبة عن قرب لمسار المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة، والولايات المتحدة والدول الأربع الكبرى زائدة واحدة، من جهة ثانية.

أولاً: من منطلق المعلومات المتوافرة يمكن التشديد على أن اتفاقاً تم بين الجانبين في الخطوط العريضة، وقد اتفق على عدم الخوض في التفاصيل في هذه المرحلة بالذات انتظاراً لـ «الموعد الأخير» والمقرر مبدئياً في الحادي والثلاثين من آذار المقبل.

ثانياً: استغرقت المفاوضات هذا الوقت الطويل نظراً إلى التفاصيل المرتبطة بهذا الملف، فضلاً عن أن عامل انعدام الثقة بين الجانبين شكل عائقاً حتى الآن دون التمكن من تخطي بعض الحدود والخطوط. لكن المصالح التي تتحكم بقرارات جميع الأطراف المشاركة في ورشة عمل الملف النووي الإيراني، هي التي ستحكم، بل تتحكم بتبادل المصالح من جميع الأطراف المشاركين.

ثالثاً: في الخوض في التفاصيل تبرز النقاط التي استحوذت على الكثير من المناقشات لبعض القضايا «والشؤون التقنية». ومنها على سبيل المثل لا الحصر: موضوع العقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ وقت طويل. وفي هذا المجال أصرّت طهران عبر الكثير من الوزراء الذين تعاقبوا على التفاوض، على أن يتم رفع هذه العقوبات فور الإعلان عن الاتفاق النهائي، في حين أن دول الغرب الأميركي والأوروبي أصرت على اعتماد «النهج التدريجي» في رفع العقوبات المشار إليها. وفي سياق متصل، أصرت طهران ولا تزال على استعادة الأموال العائدة لها والمجمدة في المصارف الأميركية وبعض المصارف الأوروبية، وفي هذا الشأن كذلك تقترح الدول الغربية اعتماد برمجة معينة لاسترداد الأموال المجمدة عبر «الإفراج التدريجي» عنها.

ويلاحظ في كل القضايا العالقة بين الطرفين الإيراني والغربي أن «الشكوك» ترافق التفاهم على كل بند من بنود الاتفاق المنتظر، كأن الدول الغربية تريد أن تضع الحكومة الإيرانية ضمن فترة «اختبار تدريجي» نظراً إلى أزمات انعدام الثقة المشتركة منذ سنوات طويلة.

رابعاً: في الجانب «التقني» استحوذت المناقشات الخاصة بنسبة اليورانيوم المخصب على وقت طويل من الاجتماعات والمداولات… وكان إصرار الجانب الإيراني على الاحتفاظ بنسبة 20 في المئة من هذه المادة، في حين أن الجانب الغربي أصر وما زال على احتفاظ إيران بنسبة 5 في المئة من نسبة اليورانيوم المخصب.

على أن العامل المهم الذي كشف عنه النقاب في الآونة الأخيرة قد يقلب الكثير من المعايير العائدة للتفاهم الإيراني – الغربي حول «الملف النووي»، ألا وهو اتهام مجموعة دول الغرب الأوروبي الجانبَ الأميركي في هذه المفاوضات بأنه يسعى إلى عقد «صفقة منفردة» بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا ما جعل بعض الشكوك واختبار الثقة يحدث نوعاً من التفكك في المواقف بين الدول الغربية. ويشار هنا إلى نوع جديد من المفاوضات قد جرى بين الجانبين الأميركي والإيراني، والذي تمثل بالسير في الهواء الطلق وعلى رغم الصقيع المخيم على مدينة جنيف، بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري ومحمد جواد ظريف. وقد تكرر هذا الأمر مرات عدة أملاً بهذا النوع من الديبلوماسية لعله يساهم في تذليل العقبات التي تعترض الإعلان عن الاتفاق النهائي في شأن الملف النووي الإيراني.

وما يلاحظ في هذه الآونة تبادل التصريحات الحازمة بين جون كيري ومحمد جواد ظريف ضمن ما يمكن اعتباره جانباً من الحرب النفسية، والسبب في ذلك يعود إلى سعي كل جانب إلى تجميع أكبر عدد ممكن من «الأوراق» لتعزيز القوة التفاوضية لبلاده. وتكفي الإشارة إلى بعض التعابير التي تستخدم هذه الأيام كقول المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد علي خامنئي: «إن إيران لا تحتاج إلى قوة نووية تعمل على استخدامها، بل إن من حق بلاده أن تحصل على الطاقة نووية لاستخدامها في الأغراض السلمية. كذلك إشارة السيد خامنئي إلى أن من الأفضل لإيران عدم التوصل إلى اتفاق، على أي اتفاق سيئ».

ويشار في هذا المجال إلى الرسائل «العديدة» المتبادلة بين الرئيس باراك أوباما والسيد خامنئي، حيث بعث الرئيس الأميركي برسائل عدة إلى خامنئي فيها ذلك المزيج من الروحانيات والتعابير «الماورائية» والارتقاء إلى درجة عالية من تبادل المناقشات والمداولات بين طهران وواشنطن. ويبدو أن السيد خامنئي اختار ألا يجيب عن كل الرسائل التي بعث بها إليه الرئيس أوباما، وهذا ما يؤكد في رأي بعض الخبراء أن طهران تحتفظ «بأسلوب تفاوضي جسور» يشدّد على حق إيران في امتلاك الأسلحة النووية، كما أنه يظهر مدى إصرار واشنطن في عهد الرئيس أوباما على التوصل إلى اتفاق مع إيران.

هنا تجب الإشارة إلى عنصر مهم طرأ على الموقف في الأيام الأخيرة والمتعلق بــ «الغضب الهستيري» الذي يعتري مواقف وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يتخوف من التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب. وليست الحملات الإعلامية العالية النبرة التي تلازم تصريحات نتانياهو ضد أميركا إلا بعض التشديد على أن بوادر الاتفاق حول الملف النووي الإيراني قد ارتفعت نسبتها في الآونة الأخيرة.

كذلك، لا يمكن عزل التوتر في العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأميركية، والذي أدى إلى نشوب أزمة صاخبة بين الجانبين، ويزداد الموقف الإسرائيلي حدة مع رفض الرئيس أوباما استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارته المقبلة لواشنطن، ولإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ.

وبقول الرئيس أوباما في معرض الدفاع عن موقفه: أن إسرائيل هي في حال انتخابات، ولا يجوز تمييز فريق عن آخر، ولأن نتانياهو المرشح لهذه الانتخابات فسيعتبر استقباله في البيت الأبيض كأنه انحياز أميركي له.

وبعد…

يمكن القول أن العد العكسي لمعرفة مصير الملف النووي الإيراني قد بدأ، وهو في الوقت الحاضر يتقاسم النسبة المئوية نفسها بين الانفراج والانفجار، وما يحدث حالياً هو عملية عض أصابع بالغة الحدة والشدة بين الجانبين المعنيين بهذا الأمر.

وإذا كان الكثير من الأزمات في المنطقة والعالم ينتظر معرفة مصير هذا الاتفاق، فإن نتائج التفاهم أو العكس بين طهران، وواشنطن وعواصم الدول الخمس الكبرى ستشكل عاملاً رئيسياً في تحديد مسار بعض الأزمات وفي طليعتها دول المنطقة. ويلاحظ أن كل قضية إقليمية كانت أو دولية يتطرق إليها الإعلام يأتي الجواب الطبيعي عنها: «انتظروا نتائج النووي الإيراني»!

ومع التركيز الكبير على مصير الملف النووي الإيراني والتداعيات المرتقبة لما ستؤول إليه المحادثات الطويلة والمنهكة التي عقدت على مدار سنوات، هنا يطرح السؤال مرة جديدة: ما موقع الصغار في لعبة الكبار؟ وفي عالم يسود فيه منطق القوة على قوة المنطق لا مكان للضعفاء.

الأمر المؤكد أن كل طرف شارك في قضية الملف له مصلحة شخصية في التوصل إلى اتفاق في نهاية الأمر في هذا العصر الذي لا مكان فيه للعواطف بل البحث عن موقع آمن في هذا العالم المضطرب.