تترقب الأوساط الإقليمية والدولية القرار الذي سيتخذه الرئيس الأميركي قبل منتصف الشهر الحالي حول الاتفاق النووي الإيراني، في ظل توقعات كثيرة تشير إلى احتمال انسحاب واشنطن من الاتفاق، ما يفتح المجال لصفحة جديدة من النزاع مع إيران، ويربك حسابات الدول الأطراف في الاتفاق، أو على أقل تقدير بدء مرحلة جديدة من التفاوض بشأن تعديل الاتفاق، وزيادة بروتوكول إضافي له يستجيب للهواجس الأميركية في هذا الشأن.
معلوم أن الاعتراض الأميركي يتمحور حول ثلاثة عناصر هي: ما ستكون عليه الصورة عند انقضاء فترة الاتفاق النووي عام 2025 لجهة كمية تخصيب اليورانيوم، وتكثيف آلية تفتيش المنشآت النووية الإيرانية من دون عوائق، واستمرار إيران في تطوير صناعتها من الصواريخ الباليستية من دون مراعاة للقرارات الدولية في هذا الشأن، وأهمها قرار مجلس الأمن 2231 (2015)، وأخيراً سلوك إيران الإقليمي وما ينتج عنه من زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد كان هناك منذ الوصول إلى الاتفاق النووي في منتصف عام 2015 تجاهل متعمد لدور إيران العبثي في المنطقة، ومدى الخطورة التي تقود لها التدخلات الإيرانية في الشؤون الإقليمية، إضافة إلى استمرارها في تعزيز قدراتها الصاروخية وتزويد وكلائها في المنطقة بكل أنواع الأسلحة، ما شكل تهديداً واضحاً وخطيراً للأمن الإقليمي، وخصوصاً الأمن القومي العربي.
كذلك لا يخفى الانقسام الحاصل على الساحة الدولية حول مصير الاتفاق النووي الإيراني، حيث تؤيد روسيا والصين الإبقاء على الاتفاق دون تعديل، فيما ترى القوى الأوروبية الرئيسية – بعد ضغوط أميركية – إمكانية تعديله مع الاحتفاظ به، وتعارض الولايات المتحدة الاتفاق ويصفه الرئيس الأميركي بـ«الصفقة الأسوأ». وبوجود وزير خارجية ومستشار أمن قومي أميركيين مناوئين لإيران ودورها في المنطقة، ويشاطران الرئيس الأميركي شكوكه حول إيران وبرنامجها النووي ودعمها للإرهاب ونفوذها السلبي في المنطقة، تبدو آفاق الأزمة مع إيران قاتمة، إذا أخذنا بالاعتبار اللهجة الحادة التي تتحدث بها القيادة الإيرانية حول الموقف الأميركي من الاتفاق ورفض تعديله، بغض النظر عن مدى جدية تلك اللهجة، وإمكانية دخول إيران في مفاوضات حول الاتفاق، نظراً لأنها المستفيد الأكبر من إبرامه وبقائه.
إن المشكلة الرئيسية لا تكمن فقط في برنامج إيران النووي، ومدى قدرة الاتفاق النووي على ضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي في المستقبل، بل إنها أشمل من ذلك. فهي تتعلق بطبيعة النظام السياسي الإيراني منذ الثورة عام 1979، الذي يستمد شرعيته من دستور له نزعة طائفية وثورية، ومنه تستمد الحكومة الإيرانية ثوريتها وعدوانيتها وتدخلها في شؤون الدول الأخرى، ورفضها التخلي عن منطق الثورة لصالح منطق الدولة المسؤولة والمعتدلة. بالتالي فإن البرنامج النووي الإيراني وتطوير الصواريخ الباليستية وتوزيعها هبات على التنظيمات والميليشيات الموالية لها، ليس سوى أحد مظاهر عدوانيتها وأطماعها التوسعية المستمدة من دستورها وعقيدتها السياسية.
فلا نكاد نذكر سياسات أو مواقف إيجابية تبنتها إيران تجاه الاستقرار الإقليمي، بل ظل هدفها توسيع نفوذها والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى من الخليج إلى المحيط، بما في ذلك إنشاء الميليشيات وتسليحها، وتأجيج الانقسامات المذهبية، وزعزعة استقرار بعض الأنظمة في الوطن العربي. ولعل أبلغ دليل على النيات السيئة لإيران التصريحات الرسمية لعدد من القيادات الإيرانية حول سيطرتها على أربع عواصم عربية، ما يشكل في واقع الأمر تجاوزاً على أسس الجوار وتحدياً صريحاً للأمن القومي العربي، وامتهاناً للكرامة العربية. وليس من باب المبالغة القول إنه عند النظر إلى أغلب الأزمات والقضايا السياسية الإقليمية نجد لإيران دوراً فيها بشكل أو آخر.
هذا يقودنا للقول إن المنطقة مقبلة على أزمة تتجاوز في أبعادها المختلفة مسألة الملف النووي الإيراني، وإن كان ذلك في صلبها. المواجهة الواضحة بين إيران وإسرائيل في سوريا من المرجح لها أن تتفاقم، في ظل سعي إيران لخلق نفوذ عسكري وسياسي وطائفي لها في سوريا، قد لا تكون تبعاته على المنطقة واضحة في هذه اللحظة. وكذلك دعمها غير المحدود للانقلابيين الحوثيين في اليمن وما آلت إليه الأمور جراء ذلك، بعد أن شكلت مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني اليمني بارقة أمل في إخراج اليمن من محنته في سنوات الأزمة الأولى. كما أن إنشاء الميليشيات الطائفية وتسليحها، ودعم التنظيمات والخلايا الإرهابية في المنطقة أصبح يشكل تهديداً واضحاً للاستقرار الإقليمي، وانتهاكاً صريحاً لأمن الدول المعنية وسيادتها واستقرارها.
كيف ستكون الصورة في مقبل الأيام؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟ وما حدود المواجهة مع إيران؟ وما دور القوى الأخرى في الشرق والغرب؟ وما ردة الفعل الإيرانية؟ هذه نوعية الأسئلة التي تشغل بال صناع القرار والمتابعين للشأن السياسي في الفترة الحالية. وإذا كان من الصعوبة الإجابة عنها، فإنه يبدو واضحاً أن المنطقة مكتوب عليها بسبب التصرفات الإيرانية غير المسؤولة، فصل جديد من التأزم وعدم الاستقرار لا نعرف هل سيصل إلى مرحلة الحرب الصريحة، أم فقط المناوشات المباشرة والنوعية والعقوبات والضغط الدبلوماسي، وهو السيناريو الأقرب للحدوث.
* الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بجامعة الدول العربية