نبّهني تعليق أحد أصدقائي الحكماء على عبارة استعملها علي لاريجاني-كبير مستشاري المرشد الإيراني- أثناء زيارته الأخيرة إلى بيروت، التي يمكن وصفها بأنها “انتدابية”. فقد لجأ لاريجاني إلى مثل إيراني شعبي، حيث شبّه بنيامين نتنياهو بمن يريد “أن يتزوج بجهاز شخص آخر”. هذا المثل السوقي، الذي يمكن العثور على مرادفه في الأمثال الشعبية اللبنانية، كان كاشفاً أكثر مما قصد قائله.
للمفارقة، فإن علي لاريجاني، وفي سياق رحلته للتفاوض بدماء اللبنانيين والعرب، وصف بطريقة فرويدية وبالغة الدقة مقاربة النظام الإيراني ووليّه الفقيه للصراع في المنطقة. لقد كشف هذا التصريح عن حقيقة مريرة يعرفها الجميع، خصوصاً اللبنانيين والشيعة منهم: أن “الجهاز الإيراني” وحرسه الثوري قد حولوا “التزاوج بجهاز الآخرين” إلى فن سياسي قبيح، قائم على استغلال الشعوب والمقدرات المحلية لصالح أجنداتهم التوسعية.
على مدى العقدين الماضيين، حوّلت إيران وحرسها الثوري لبنان وسوريا والعراق واليمن إلى ساحات “زواج بالإكراه”، حيث استُخدمت أراضي هذه الدول وشعوبها كبيدق في لعبة المكاسب الإقليمية والدولية. وقد تُوّج هذا النهج الانتهازي في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، حين أُطلق العنان لقاسم سليماني وجهازه لتعميق الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط.
في لبنان، تجلّت نكبة المكون الشيعي بشكل خاص، مثلما حدث مع أهل غزة قبلهم، حيث أكدت الوقائع أن الحركة الشعوبية الإيرانية (وليس الشعبوية)- وهي نزعة قومية فارسية ظهرت في العصور الإسلامية الأولى وتهدف إلى تحقير العرب والقوميات الأخرى- لا تزال تمارس تأثيرها القاتل في مقاربة إيران وحرسها الثوري للمنطقة.
هذه النزعة الشعوبية، التي تدّعي تفوق العرق الفارسي، تنعكس في ثقافة الحرس الثوري الإيراني. ولعلّ أكثر ما يكشف عن هذا التوجه هو افتقارهم ليس فقط للياقة البدنية كالمظهر (غياب الياقات وربطات العنق)، بل أيضاً للياقة السياسية والإنسانية في التعامل مع شعوب المنطقة، وخاصة الشعب اللبناني.
خضوع علي لاريجاني والوفد المرافق له للتفتيش من قبل جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي، ليس مجرد تفصيل بسيط في زيارته، بل قد يكون بمثابة رسالة ضمنية تعبّر عن رفض رمزي لهيمنة إيران وإلى فكرة بأن الحصانة الدبلوماسية والعلاقات الودية بين الشعوب لا تتضمن حيازة سفير النظام الإيراني في لبنان لجهاز البيجر المتفجر، والذي جعله يخسر أصابعه وما تبقى من هيبة جناحه اللبناني، “حزب الله”. حادثة لاريجاني يمكن أن تكون مدخلاً لمقاربة أكثر وضوحاً لمواجهة الهيمنة والاحتلال الإيراني، التي لا تقل شراسة وجرماً عن سياسات بنيامين نتنياهو.
لبنان الرسمي، وكذلك شريحة واسعة من اللبنانيين، يمارسون “التقية السياسية” عن سذاجة أو لربما عن انتهازية، عندما يتظاهرون بوجود صداقة ومودة تربطهم بالنظام الإيراني. ولكن في حقيقة الأمر، هذه الصداقة المزعومة هي غطاء لاحتلال معنوي وفعلي يمثله السلاح غير الشرعي والتدخل السافر في الشؤون اللبنانية.
الطريق الوحيد لرفع هذا الاحتلال الإيراني يبدأ بإعلان إيران وحرسها الثوري، بكل رموزه وشعاراته، أعداء صريحين لفكرة الدولة اللبنانية وسيادتها. مثل هذا الإعلان يجب أن يكون شاملاً ليشمل كافة الشعوب العربية الأخرى، التي تعاني من الاستغلال الإيراني لمقدراتها وأراضيها.
السكوت أو التردّد في مواجهة هذا الاحتلال يجعلنا جميعاً- كلبنانيين وعرب- مجرد “أجهزة” إضافية في ترسانة إيران، تُستخدم في حروب لا تخدم سوى مصالحها. إنها حروب ستستمر حتى “النصر” المزعوم، ولو كان ذلك على حساب آخر طفل عربي، فينيقي أو لبناني.