وصل الوقود الإيراني الذي وعد به حسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» إلى لبنان أم لم يصل. لن تقدّم كميّة الوقود التي وُعد لبنان بها ولن تؤخّر في حلّ الأزمة العميقة التي يعاني منها بلد دخل آخر مراحل الانهيار. ستبقى عمليّة جلب الوقود كلّها مجرّد عملية علاقات عامة تنطلي على السذّج، يمكن للبنان ان يدفع ثمنها غالياً بعدما صار رهينة إيرانيّة لا أكثر.
ماذا ينفع لبنان إذا ربح إيران ورهانه عليها، وهو رهان لميشال عون وصهره جبران باسيل أوّلًا، الساعي إلى الوصول إلى قصر بعبدا… وخسر أميركا التي لم يعد يهمّها مصيره والتي ترمز، بين ما ترمز إليه، إلى الجامعة الأميركية في بيروت وإلى مستشفاها ومعظم المعالم الحضاريّة والثقافية والعلميّة في البلد؟
ثمّة ما هو أهمّ بكثير من الوقود الإيراني. الأهمّ هو الرسالة التي فحواها أن لبنان صار محكوماً من «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الذي تولّى السلطة كلّياً في «الجمهوريّة الإسلاميّة». حصل ذلك مع انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة وتشكيله حكومة لا مكان فيها سوى لرجالات من نوع وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان الذي هو جزء لا يتجزّأ من «الحرس الثوري» الذي استكمل انقلابه الداخلي عبر وصول رئيسي إلى موقع الرئاسة بطلب من «المرشد» علي خامنئي وإصرار منه.
لا تشبه حكومة رئيسي من ناحية سوء نوعية أعضائها، الذين يعتبر وزير الخارجية أكثرهم كفاءة وأفضلهم، سوى حكومة حسّان دياب التي تشكلت أصلًا من أجل إيصال لبنان إلى ما وصل إليه، خصوصاً بعدما وقفت موقف المتفرّج من سقوط النظام المصرفي…
تبدو عمليّة إيصال الوقود الإيراني حلقة أخرى، قد لا تكون الأخيرة، في الانقلاب الذي يشهده لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005، وصولاً إلى الصيغة التي أعلن بها الأمين العام لـ»حزب الله» عن قرب وصول هذه الوقود. لم يكن ينقص تلك الصيغة سوى قوله: أنا الدولة والدولة أنا. لا يمكن عزل الصيغة عن رغبة إيران في تأكيد أن لبنان صار لديه «مرشده» الذي تعلو كلمته على كلّ السلطات الأخرى وعلى كلّ القوانين المعمول بها في بلد لديه دستوره… أو هكذا يُفترض.
لماذا الوقود الإيراني الآن؟ إنّه استكمال لبناني لوضع «الحرس الثوري» يده نهائياً على كلّ مفاصل السلطة في إيران التي لا تفوّت فرصة كي تثبت أن مشروعها التوسّعي مستمرّ بطريقة أقوى وأكثر شراسة وعدوانيّة.
لا يمكن عزل الإصرار الإيراني على الاستمرار في المشروع التوسّعي لـ» الجمهوريّة الإسلاميّة» عن التراجع الأميركي الذي عبرّ عنه الانسحاب الكارثي من أفغانستان. تكمن أهمّية النظام الإيراني في تلك القدرة على الاستفادة إلى أبعد حدود من أي ثغرة أميركيّة بغض النظر عمّا إذا كان المقيم في البيت الأبيض قويّاً، مثل جورج بوش الابن وقبله رونالد ريغان، أو ضعيفاً، مثل جيمي كارتر، أو صاحب اجندة خاصة به معاديّة لأهل السنّة في العالم، مثل باراك أوباما، أو حائرا مثل جو بايدن.
استفادت «الجمهوريّة الإسلاميّة» من الحرب الأميركية على العراق في العام 2003، وتستفيد الآن، من وجهة نظرها، من الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان الذي كشف ارتباكاً أميركياً كبيراً وحال ضياع داخل إدارة جو بايدن. شهدت الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من المواقف الإيرانية التي تدلّ على رغبة في الذهاب بعيداً في وضع العالم ، بما في ذلك أميركا نفسها ودول المنطقة طبعا، أمام أمر واقع.
كان خطاب وزير الخارجيّة الإيراني وتصرفاته في «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»، الذي انعقد قبل ايأام قليلة، واضحاً لجهة الإصرار على السير في خطّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020 بعيد خروجه من مطار بغداد. أراد عبد اللهيان تأكيد أن إيران مستمرّة بالاستثمار في الميليشيات المذهبيّة التابعة لها في كلّ المنطقة، وتعتبر ذلك حقّاً من حقوقها. هذا ما يحدث في العراق عبر «الحشد الشعبي»، وهذا ما يحدث في سوريا، وقد ظهر ذلك من خلال الهجوم على درعا البلد، بواسطة كلّ أنواع الميليشيات الأفغانيّة والعراقيّة واللبنانيّة… وهذا ما يحدث في لبنان نفسه الذي باتت فيه إيران تقرّر من هو رئيس جمهوريته وذلك بعد إيصالها ميشال عون إلى قصر بعبدا كي تتلطّى به في الحملة الهادفة إلى تدمير موقع رئيس مجلس الوزراء (السنّي)… في سياق حملة محاصرة لبنان وإفقاره وتهجير أهله، خصوصاً المسيحيين منهم، أولئك الذين يدّعي رئيس الجمهوريّة الدفاع عن حقوقهم!
لا حاجة بالطبع إلى التطرق إلى اليمن حيث يثبت الحوثيون (أنصار الله) يوميّاً أنً أيران تمتلك المبادرة إن في استهداف ما يسمّى «الشرعيّة» وجيشها… أو في متابعة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في اتجاه أهداف مدنيّة داخل الأراضي السعودية، كما حدث أخيراً في مطار آبها.
يُفترض في اللبنانيين قبل الدخول في أيّ نقاش في شأن الوقود الإيراني الاقتناع أكثر من أيّ وقت بأنّ بلدهم صار ورقة في الحسابات الإيرانيّة التي ليس في الضرورة أن تكون في محلّها. الخطر أنّ في بلدهم من يراهن على أن المحور الإيراني سينتصر وسيفرض جبران باسيل رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية ميشال عون في آخر تشرين الأوّل – أكتوبر 2022.
تبقى المشكلة في كلّ الحسابات الإيرانيّة في أنّ لبنان دفع ثمن كلّ انتصار حققته «الجمهوريّة الإسلاميّة» في أي مجال من المجالات. جاء اغتيال رفيق الحريري، على سبيل المثال وليس الحصر، بعد الانتصار الإيراني في العراق بفضل إدارة بوش الابن.
ماذا ينفع لبنان إذا خسر أميركا وربح «الجمهوريّة الإسلاميّة»؟