جاء ردّ الرئيس سعد الحريري على كلمة السيد حسن نصر الله مدوياً، أفليس استجرار النفط الإيراني يزجّ لبنان في وحول صراعات المنطقة، والمشكلة الحقيقية تكمن في التهريب المتعمّد للنفط اللبناني المدعوم إلى سوريا، والأجدى هو وقف التهريب عوضاً عن المنّ على اللبنانيين بالنفط الإيراني؟
كما أنّ الأمر التنفيذي 13846 تاريخ 6 آب 2018 ينصّ على فرض عقوبات من السلطات الأميركية على كل من يقدم عن علم على الدخول بصفقات مع شركات النفط الإيرانية في سبيل شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق البترول أو المنتجات البترولية من السلطات الإيرانية. وقد دخلت العقوبات الرابعة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران حيز التنفيذ في تشرين الثاني 2018، بهدف إجبار الأخيرة على التوقف عن دعم الميليشيات المتمردة على دول المنطقة وتطوير الصواريخ الباليستية. وفي أيلول 2019، شدّدت واشنطن على أنها ستعاقب كل من يتعامل مع إيران أو يشتري نفطها، وبدأت الإدارة الأميركية بتكثيف العقوبات على إيران. واستهدفت البنك الوطني الإيراني، والأصول المالية للدائرة المقربة من المرشد الأعلى. وفي 21 شباط 2020، جرى وضع إيران على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي. وفي 8 تشرين الأول 2020، فرضت واشنطن مزيداً من العقوبات على القطاع المالي الإيراني، مستهدفة 18 مصرفاً.
وبالتالي، في حال قبل لبنان النفط الإيراني، فإنّ ذلك لن يؤدي إلى تعريضه للعقوبات الأميركية فحسب، لا بل ستمتنع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية عن التعاون معه، وهذا أخطر. ناهيك عن أن العقوبات الأميركية ستطاول الأفراد والمؤسسات على حد سواء، أي أن الاقتصاد اللبناني سينهار بأكمله.
كما أن استجرار النفط الإيراني بهذه الطريقة هو تفريط بسيادتنا الوطنية، فلبنان ليس محافظة ايرانية، وهنالك مؤسسة دستورية في لبنان اسمها مجلس الوزراء، وصلاحية قبول الهبات أياً كانت باسم الدولة تقتصر على هذا المجلس، الذي يقرر بمرسوم قبول الهبات وإنفاقها وفق السياسة العامة التي يرسمها للدولة. لا سيما أن المادة 52 من قانون المحاسبة العموميّة تنص على ضرورة أن تقبل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدمها للدولة، الأشخاص المعنويون والحقيقيون، وتقيد في قسم الواردات من الموازنة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن سبب التغاضي في لبنان عن مشاريع إغراق وطننا في حروب عبثية تعادي العرب والعالم. لا بل حتى قرار الحرب والسلم ليس في يد الدولة، في حين ينص الدستور اللبناني على أنّ هذا القرار يجب أن يبقى بيد المؤسسة المغيبة دائماً، والتي اسمها مجلس الوزراء، والتي عملاً بأحكام الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور، لا يمكن أن تتخذ قرار الحرب إلا بموافقة أغلبية خاصة، هي ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها.
ولا يمكن التغاضي عن ضرورة الحصول على موافقة الحكومة لقبول أي هبة، حتى ولو كانت حكومة تصريف أعمال، نظراً إلى أنه من المفترض أن تكمل الأخيرة مهامها باتخاذ القرارات الضروريّة، خصوصاً في ظل خطر فرض العقوبات. ناهيك عن أنّ الهبة في منتهاها جعل الدولة اللبنانية تدور في الفلك الإيراني، ليكتمل هلالها المزعوم، ولخلق نظام اقتصادي جديد في البلاد مرهون مالياً وأمنياً وسياسياً لطهران. والمعادلة واضحة، وهي تتلخّص بتجويع الشعب وإفلاس البلد وعزله عن النظام المالي العالمي لتكون طهران شبكة الخلاص الوحيد للدولة المتهالكة عبر مده بالدواء والنفط والمواد الغذائية.
هنالك من يقول إنّ العرض الإيراني الذي يبحث اليوم هو بيع النفط ومشتقاته إلى الحكومة اللبنانية بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، وإنه ليس هبة، على أن تحدد التكلفة بحسب البورصة الإيرانية بالريال الإيراني ومقارنته بما يعادله بالليرة. لكن من قال بأن لبنان يريد شراء نفط من إيران، ومن قال بأنّ مجلس الوزراء بحاجة إلى أوصياء ليشتروا النفط عنه؟ لا سيما أن هذا العرض، يمكن وصفه بأنه الخيار النووي على الاقتصاد اللبناني، ما يعني غضبا أميركياً وخليجياً يصعب تحمله.
وإذا مضى الحزب في خيار توفير النفط الإيراني أو بيعه أو توريده أو نقله إلى الدولة اللبنانية، فسيفتح المجال لاحتمالية ضغوط اقتصادية كبرى على لبنان تضاهي تلك التي يشهدها الآن، ولن تقتصر العقوبات التي ستفرضها أميركا حينها على وزير من هنا أو وزارة رسمية من هناك.
كما أنّ الدّول ستساعد لبنان إذا أظهر حدّاً أدنى من الحياد، يسمح له بتكوين حكومة مستقلة، أي حكومة قادرة على إنقاذ لبنان من صراعات المحاور حتى تصل المساعدات إليه. لذلك مطلوب من لبنان عدم التماهي مع إيران، حتى لا يخسر مساعدات البنك الدولي ومخصصات مؤتمر سيدر ومؤتمرات الدعم الدولي المخصّصة للبنان. ويكفينا أننا أصبحنا في عزلة دولية نتيجة سياسات البعض التي كشفت الساحة اللبنانية السياسية والاقتصادية على الصراعات الإقليمية. وحتى الصين بكل جبروتها لا تتمكن من استيراد النفط من إيران، لكي لا تخضع للعقوبات. كما تمتنع دول أخرى مثل الهند وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان بشكل تام عن شراء النفط الإيراني، فهل يمكن للبنان أن يكون أقوى من كل تلك الدول.
وإذا كانت إيران تريد فعلاً مساعدة لبنان كما تزعم، فلماذا لا ترسل نفطاً إلى سوريا؟ للحدّ من تهريب المحروقات اللبنانية إليها، لأنّ النزيف الحقيقي يكمن هناك، ولأنّ سبب ازدحام المواطنين أمام المحطات هو تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا، وهذا نفط مدعوم، ويشكّل نزيفاً مالياً حقيقياً.
خلاصة القول، إنّ تقزيم لبنان بالتعاطي معه وكأنه دويلة هو في واقع الحال مقتل له، ولا مشاحة في أن مصلحته أن يعود إلى تحسين علاقته مع السعودية وسائر الدول العربية، لأنه من الخطأ تسليم لبنان للسطوة الإيرانية، وهذه المواقف ستضاعف من معاناة الناس المعيشية والاقتصادية، وتشق الطريق السريع الى جهنم.