Site icon IMLebanon

هل الحزب بوارد «التراجع التكتيكي إلى الوراء»؟

 

عادت أجواء الحرب تخيّم على مناخات المنطقة من جديد، بعد التصعيد الإجرامي الإسرائيلي المتتالي، عبر تفجير شبكة الإتصالات، البيجر والأجهزة اللاسلكية، لحزب الله، وما تبعها بعد يومين من إستهداف لمجموعة من القيادات العسكرية في قصف وحشي، أدّى إلى تدمير بنايتين على رؤوس سكانهما المدنيين، وسقوط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح.

ويبدو أن التصعيد الحالي مرشح للإستمرار في الفترة الراهنة، مع إقتراب نهاية العام الأول للحرب الإسرائيلية على غزة، دون أن يتمكن نتنياهو من تحقيق ليس “النصر المطلق” وحسب، بل والفشل في تحرير الرهائن، أو الوصول إلى قيادة حماس. الأمر الذي دفع نتنياهو إلى التوجه شمالاً، وتوسيع الجبهة مع لبنان، تحت شعار إعادة المهجرين إلى بيوتهم في المستوطنات الشمالية المجاورة للحدود اللبنانية، علّه يستطيع تحقيق هذا “الإنجاز”. ويغطي على بعض فشله الذريع في غزة، رغم الدمار الوحشي الممنهج لمدن القطاع، ومرافق الحياة الحيوية فيه.

 

نتنياهو أطاح قواعد الإشتباك المعمول بها مع حزب الله منذ حرب ٢٠٠٦، وتعمّد توجيه ضربات موجعة للحزب، عبر تفجير شبكة الإتصالات، وأكثرها ضرراً الغارة على إجتماع القادة العسكريين لقوة الرضوان، حيث قضوا جميعاً بصاروخين ضد الأنفاق والتحصينات الإسمنتية، مما يعني انتقال “المواجهة المحدودة” التي سادت في الأشهر العشر الماضية، إلى مرحلة أكثر عنفاً، وأوسع إنتشاراً، وأشد تدميراً.

ولكن السؤال الذي يشغل بال الجميع في لبنان والمنطقة، كما في خارجها:

هل تتحول هذه المواجهة المحتدمة إلى حرب مفتوحة، وتؤدي إلى إنزلاق المنطقة إلى حرب شاملة؟

الواقع أن إحتمال تحوّل المواجهات المتصاعدة إلي حرب مفتوحة يبقى وارداً، دون أن يعني ذلك تحوّلها إلى حرب إقليمية شاملة، بعد ظهور “الواقعية الإيرانية”، في التعاطي مع أزمات المنطقة وتداعياتها المختلفة، من خلال ما أعلنه المرشد الأعلى الإمام الخامنئي من أن “التراجع التكتيكي إلى الوراء” هو بمثابة خطوة إلى الأمام، فضلاً عما يتردد عن “تفاهمات”أميركية إيرانية، للجم التدهور، وإبقاء الأمور تحت السيطرة، ودون الوصول إلى الحرب الشاملة.

 

عدم الإنزلاق إلى الحرب الإقليمية، قد يُخفف من بعض المخاطر على البنية الهشة في لبنان، ولكن إستمرار المواجهة المباشرة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، قد يؤدي إلى حرب ثنائية، يسعى لها نتنياهو، لتحسين صورته في الداخل بعد إتهامه بالتخلي عن الرهائن عند حماس.

الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي زار تل أبيب منذ إسبوعين، بعث برسالة إلى المسؤولين اللبنانيين بضرورة الحذر من التصعيد الإسرائيلي في الفترة المقبلة، لأن هستيريا الحرب ضد لبنان، تسيطر على أحاديث نتنياهو والوزراء المتطرفين، الذين رفضوا التجاوب مع المسعى الأميركي بتبريد الوضع على الحدود اللبنانية، وتجنب حصول انفجار عسكري واسع.

وبدا واضحاً من رسالة هوكشتاين وزيارات الموفدين الأجانب إلى بيروت، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يستغل حالة الشلل الراهنة في مواقع القرار الأميركي، عشية الانتخابات الرئاسية، ويعمل على تمديد أمد الحرب في غزة والتوترات مع لبنان، إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، والتي يراهن فيها على فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة، بعد خلافه المستحكم مع الإدارة الديموقراطية، والتي تُعتبر المرشحة كامالا هاريس طرفاً أساسياً فيها.

الإشكالية المزمنة أن لبنان غير مستعد لإستمرار حرب إستنزاف، بدأت منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، كما أنه لا قدرة له على تحمُّل تداعيات حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، وتعريض ما تبقّى يعمل من بنيته التحتية ومرافقه الحيوية للخطر.

وهذا يعيدنا إلى سجالات إبريق الزيت حول من يملك قرار الحرب والسلم في لبنان، خاصة بعد “الضربات الموجعة” التي تلقاها الحزب في الأسبوع الماضي، والتي يحاول الرد عليها عبر التصعيد الراهن، والإنتقال إلى مرحلة “الحساب المفتوح”.

ولكن ماذا بالنسبة لملف الإستحقاق الرئاسي على إيقاع التحديات الراهنة وعشية زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت؟

هل الحزب بوارد “تراجع تكتيكي إلى الوراء” يكون بمثابة خطوة إلى الأمام، كما قال الإمام الخامنئي، مجسداً” الواقعية الجديدة” في السياسة الإيرانية؟ فيكون بذلك قد فتح منفذاً في الجدار السميك للأزمة الرئاسية، يعزز التصدي لتداعيات أي عدوان إسرائيلي غادر .