يستقطب تدخّل الحوثيين على خط الصراع بين إسرائيل وحركة «حماس» الاهتمام الدولي، وتشكل الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مصدر قلق لتأثيرها على الاقتصاد العالمي، وباباً من أبواب التجاذب بين الولايات المتحدة وإيران، في وقت تجري فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن محادثات لتشكيل تحالف بحري يردع تهديدات الملاحة البحرية.
ومعلوم أنّ المسؤولين الإيرانيين، منذ اللحظة الأولى، حرصوا على نفي علاقتهم أو معرفتهم بأيّ تحرك عسكري يتعلق بعملية «طوفان الأقصى»، سواء في غزة، أو جنوب لبنان، أو الحدود العراقية السورية، أو اليمن. فقد أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي، غداة العملية، عدم وجود أي صلة لطهران بها. وأمس كررت وزارة الخارجية الإيرانية أنّ «اتهامات الولايات المتحدة بشأن تدخل إيران في الهجوم الحوثي هي للتغطية على فشل الكيان الصهيوني والخسائر التي تكبدها، وتناسي دعمها لجرائم الكيان المحتل».
والمواقف الإيرانية النافية للدعم، يبدو وكأنّها استرشدت من الموقف الحكيم لرئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة الذي كان حريصاً خلال حرب تموز 2006 بين «حزب الله» والعدو الإسرائيلي على مخاطبة المجتمع الدولي ببيان يوضح أنّ «الدولة اللبنانية لم تكن على علم ولا هي تتحمّل مسؤولية ولا تتبنّى ما جرى ويجري من أحداث على الحدود الدولية، وهي تستنكر وتدين بشدة العدوان الإسرائيلي الذي استهدف ويستهدف المنشآت الحيوية والمدنيين..». على ما أوضح لـ»نداء الوطن»، مضيفاً أنه «منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب حتى نهايتها كان موقف «حزب الله» ومطلبه وقف إطلاق النار»، ومُفَنِّداً الخطوات التي أدت إلى صدور القرار 1701 ووقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها حينذاك في الجنوب اللبناني. ويبدو أنّ مهندسي عملية «طوفان الأقصى» وضعوا حساباتهم من وحي نتائج «حرب تموز 2006»، إن لجهة إنهاء الأعمال القتالية، أو لجهة مساهمة المجتمعين الدولي والعربي في إعادة الإعمار، لكن وحشية إسرائيل نسفت لهم هذه الحسابات، فكان لا بدّ من تسخين جبهات المساندة من لبنان إلى اليمن، بغية الضغط على المجتمع الدولي، وصولاً إلى وقف إطلاق النار، الذي لا يبدو أنه وشيك الحصول حتى الساعة.
لكن التسخين ترافق مع رغبة إيران بعدم التورط في حرب إقليمية قد تُرغم على المشاركة فيها مباشرة عقب العملية، لا سيما بعد التحرك الأميركي السريع لمصلحة إسرائيل مع تعزيز قدراتها العسكرية في البحر المتوسط، ما دفعها لتكرار تصريحات تشبه بيان الحكومة اللبنانية، التي قاد خطواتها السنيورة وصولاً إلى بر أمان القرار 1701، لتكتفي بدورها كضابط إيقاع لأذرعها، المتروكة وحدها بمواجهة الإجرام الإسرائيلي في إبادته الشعب الفلسطيني.
إلا أنّ التطورات أظهرت أنّ حسابات غزة والدم الفلسطيني المسفوك، تختلف عن حسابات باب المندب والبحر الأحمر في الميزان الإيراني. فبرز التناقض بين تصريح كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، ونائب وزير الخارجية، علي باقري كني من طوكيو، أنّ «الحوثيين لاعبون مستقلون في المشهد الدولي، يتصرفون وفقاً لتشخيصهم، وليس من الصواب ربط أفعالهم بالآخرين»، وبين تحذير وزير الدفاع الإيراني، محمد رضا آشتياني، الأربعاء الماضي، أنّ «البحر الأحمر منطقتنا ونسيطر عليه، ولا يمكن لأحد المناورة فيه»، في تعليقه على السعي الأميركي لتشكيل التحالف البحري الدولي حماية للملاحة الدولية.
بالتالي، يبدو الحياد الإيراني للتملص من المواجهة الفعلية في «حرب غزة» وتداعياتها تقليداً وليس استرشاداً بما حققه السنيورة للبنان. وأكثر من ذلك يبدو وكأنه تمهيد لتفاهمات صغيرة مع «الشيطان الأكبر»… قد يكشفها المستقبل القريب. ودائماً على حساب الدم العربي.