IMLebanon

حكومة الحدّ من الأضرار؟  

 

 

هناك الثابت وهناك المتحوّل في لبنان. الثابت الوحيد هو المشروع الإيراني الذي يشقّ طريقة بقوّة منذ العام 2005  تاريخ اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. من هذا المنطلق ليس ما يدعو إلى إضاعة مزيد من الوقت في ظلّ تخلٍّ دولي وعربي عن لبنان. باتت النظرة إلى لبنان من خارج مختلفة وتتميّز بالسلبيّة في ضوء غياب التمييز بين مؤسسات البلد و”حزب الله”.

 

هل تريد إيران حكومة في لبنان أم لا؟ الجواب أن إيران قرّرت في ضوء حسابات خاصة بها الإفراج أخيراً عن الحكومة التي على رأسها نجيب ميقاتي. هل في استطاعة هذه الحكومة الحدّ من الأضرار؟ لا جواب واضحاً عن هذا السؤال، لكن إيران لم تأتِ بميشال عون رئيساً للجمهوريّة، ولم تفرضه على اللبنانيين بعد تعطيل مجلس النواب سنتين ونصف سنة لو لم يكن لديها مخطّط واضح في شأن مستقبل البلد ورؤيتها لهذا المستقبل… من خلال سيطرتها الكاملة على موقع رئيس الجمهوريّة.

 

ليس سرّاً أن نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء المكلّف، أخذ كلّ وقته في لعبة التفاوض مع الثنائي ميشال عون –جبران باسيل.  يُشكّل مصير لبنان بمسيحييه ومسلميه آخر همّ لدى الثنائي. لم يعتذر نجيب ميقاتي بسبب نصائح فرنسيّة باعتماد الرويّة واستمرار الاتصالات التي تجريها باريس مع طهران على أعلى المستويات. أثمرت هذه الاتصالات عن السماح بتشكيل الحكومة بعد ضمان الثلث المعطّل للثنائي عون –باسيل.

 

تكمن مشكلة فرنسا في أنّها لم تعد تمتلك وزناً كبيراً في هذا العالم الذي تغيّرت قواعد اللعبة الدولية فيه كلّياً، خصوصاً في ظلّ إدارة أميركيّة ضعيفة وحائرة في الوقت ذاته. كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان أفضل تعبير عن الضعف الذي تعاني منه إدارة جو بايدن. يشجّع مثل هذا الضعف إيران على تفادي إجراء أيّ تغيير في سياستها اللبنانيّة القائمة على إفراغ البلد من أهله وتحويله إلى بلد مفلس وبائس على كلّ المستويات.

 

تتطلع إيران اأثر من أيّ وقت إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر“ الأميركي و“الشيطان الأصغر“ الإسرائيلي… وليس إلى علاقات أفضل مع فرنسا أو أوروبا عموماً. تعتبر “الجمهوريّة الإسلاميّة“ مثل هذه العلاقات مع فرنسا وأوروبا بمثابة جسر إلى أميركا وتحصيل الحاصل في حال خضعت إدارة جو بايدن لشروطها من جهة وفي حال تم التوصل إلى ترتيبات أمنيّة معيّنة مع إسرائيل في ما يخص سوريا ولبنان من جهة أخرى. كلّ ما يدور في الجنوب السوري هذه الأيّام مريب، بما في ذلك الدور الروسي الداعم للمشروع الإيراني، والمساهم في عملية تغيير الطبيعة الديموغرافيّة لتلك المنطقة الحسّاسة. يتمّ ذلك عبر تهجير أهل الجنوب السوري من السنّة والدروز…

 

ليس لبنان في معزل عما يدور في المنطقة حيث ليس ما يشير إلى أيّ تراجع إيراني على الرغم من كلّ المشاكل الداخليْة التي تعاني منها “الجمهوريّة الإسلاميّة“ أازمتها الاقتصاديّة الخانقة. ثمّة قراءة إيرانية للوضع الإقليمي مبنيّة على تصعيد المواجهة إن في العراق أو في سوريا أو في لبنان… أو في اليمن. يؤكّد ذلك استمرار إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة انطلاقاً من اليمن في اتجاه الأراضي السعوديّة.

 

في كلّ يوم يمرّ يتأكّد أنّ لبنان ذاهب إلى قعر جهنّم. ليس من مكان آخر يمكن أن يأخذه إليه “العهد القويّ“ الذي ليس سوى “عهد حزب الله“. هل يمكن لحكومة ميقاتي وقف الانهيار، علماً أنّ هذا في حد ذاته إنجاز كبير؟ لبنان الذي عرفناه لم يعد موجوداً. من يريد التأكّد من ذلك، يستطيع العودة إلى زيارة سعد الحريري لطهران عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء في العام 2010. وقتذاك، واجهته ثلاثة طلبات إيرانيّة رفضها في حينه. كان الطلب الأوّل في شأن إلغاء التأشيرات بين “الجمهوريّة الإسلاميّة“ ولبنان. يتعلّق الثاني بتوقيع معاهدة للدفاع المشترك على غرار المعاهدة بين سوريا وإيران. أمّا الطلب الثالث فكان متعلّقاً بدخول “الجمهوريّة الإسلاميّة“ النظام المصرفي اللبناني، مع ما يعنيه ذلك من التفاف إيراني على أيّ عقوبات دوليّة تمنعها من استخدام النظام المصرفي العالمي الذي تتحكّم به أميركا…

 

بعد سنوات قليلة على الزيارة، حقّقت إيران ما تريده. ألغيت التأشيرة. لم تعد “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حاجة إلى معاهدة مع لبنان في ضوء إلغاء الحدود الدوليّة بينه وبين سوريا. صار في استطاعة “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني المشاركة بكلّ حرّية في الحرب على الشعب السوري وفي عمليات التهجير. أمّا بالنسبة إلى الطلب الثالث، فقد فضّلت إيران، عبر أدواتها اللبنانيّة، إلغاء النظام المصرفي اللبناني في غياب القدرة على استخدامه.

 

ماذا بقي من لبنان القديم؟ لا شيء يُذكر باستثناء الذكريات. بقيت أم كلثوم وايلا فيتزجيرالد ولويس ارمسترونغ وعشرات آخرون من كبار فناني العالم ولبنان ومطربيه في مهرجانات بعلبك. بقي ظهور ميكيس تيودوراكس، الموسيقي اليوناني العظيم، الذي توفّي قبل أيام قليلة، في كازينو لبنان في العام 1973. بقيت مبانٍ تابعة لجامعات عريقة مثل الجامعة الأميركية في بيروت أو الجامعة اليسوعية… وبقيت فنادق معروفة تُذكّر بأمجاد لبنان وبيروت ودورها عندما كانت عاصمة العرب والمركز الإعلامي الأهمّ في الشرقين الأوسط والأدنى.

 

في كلّ يوم يمرّ يتبيّن لماذا أوصلت إيران ميشال عون إلى قصر بعبدا. أوصلته من أجل التأكد من أنّه لن تقوم للبنان قيامة في يوم من الأيّام.