في الأيام الأخيرة للامبراطورية النمسوية – المجرية، سئل وزير الخارجية عن حال حكامها آل هابسبورغ، فأجاب: الحال ميؤوس منها لكنها ليست خطيرة. ولعل هذا ما ينطبق على حال لبنان والمتحكمين به ممن يتصرفون كأنهم أنصاف آلهة. والبعض يرى العكس، وهو يرى أغرب مزيج من غطرسة القوة وغطرسة الضعف، حيث الوضع خطير لكنه ليس ميؤوساً منه. فلا أمل في التفاهم على الأمور المهمة، لأن الخلافات حولها استراتيجية، لا تاكتيكية، ومفتوحة على صراعات محاور أكبر منا، ولا شيء يوحي، في الوقت نفسه، ان الذين يمارسون سياسة حافة الهاوية مستعدون للقفز في الهاوية.
ذلك ان كل دعوة الى مناقشة مسألة حساسة في مجلس الوزراء تقود الى ارتباك وتخوف من هبوب عاصفة سياسية، ويبدو تأجيلها كأنه تجاوز لقطوع. فالجمهورية التي بلا جمهور ولا رئيس محكومة بحسابات تفرض الاستعصاء الانتخابي نيابياً ورئاسياً. والخوف على الحكومة الرئاسية المهلهلة صار أكبر من الخوف من الشغور الرئاسي. والمفارقة هي الدوران حول كل الأبواب المغلقة والبحث عن الحلول المستحيلة، بدل الذهاب الى الحل الطبيعي والممكن عبر استخدام المفتاح الوحيد والصحيح في المجلس النيابي.
وليس جديداً أن تثار قضية عرسال وجرودها في ظل الخطر الارهابي الذي يشكله وجود مسلحي داعش والنصرة. فهي على الصفحة الأولى منذ معركة القصير وتوابعها في القلمون قبل عامين. وهي في طليعة الاهتمامات منذ اعتداء الارهابيين على الجيش وقوى الامن الداخلي وخطف العسكريين. الجديد هذه المرة في إلحاح حزب الله وحلفائه على بحث قضية عرسال في مجلس الوزراء هو متطلبات معركة القلمون الحالية التي يحتاج استكمالها الى الامساك بالوضع في عرسال واخراج الارهابيين من جرودها.
وليس بالحسابات اللبنانية الأمنية وحدها تدار معركة القلمون التي يلعب حزب الله الدور الاساسي فيها. فالمعركة جزء من حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن وهي جميعاً محاور في حرب المشروع الاقليمي الايراني والحرب عليه. وما يطلبه حزب الله من الجيش يتجاوز الانتشار في عرسال، وهو ما فعله الجيش، الى خوض معركة الجرود والتنسيق مع الجيش السوري. ولا فرق، سواء كان الهدف هو ضمان وضع امني واحد على جانبي الحدود اللبنانية – السورية، أو ترتيب الخارطة الجغرافية والديموغرافية للمنطقة الممتدة من دمشق الى اللاذقية، أو هو جانب من تغيير الخرائط في الاقليم انطلاقاً من اعتبار المعركة واحدة من عرسال الى صنعاء.
والسؤال هو: هل يحدث في جلسة يوم الاثنين ما لم يحدث في جلسة الأمس؟