الكويت من الدول التي تزن حركتها السياسية بدقّة شديدة تغلب عليها عقلانية نابعة من موقعها الجغرافي والسياسي الحساس. نتيجة لذلك أدارت الكويت دائماً شؤونها وعلاقاتها مع الجميع بنجاح رغم كل التجاذبات حتى في هذه المرحلة التي تفرض المواجهات فيها الانحياز وحتى التطرّف. لذلك أن يغلب «بركان» غضب الكويت على كل هدوئها في التعامل مع أصعب الأزمات في مواجهة الدولة الأكثر صعوبة وهي «الجمهورية الإسلامية» في إيران، بسبب قضية جرت قبل عامين وصدرت الأحكام فيها، ما يعني أن «الفعل» الإيراني بلغ حدّاً لم يعد من الممكن مواجهته سوى بردّة فعل قوية تؤكد بها الكويت أن عقلانيتها لا تعني الخضوع والاستسلام.
لا شك أن الكويت لن تبقى وحيدة في مواجهة طهران. لذلك فإن ما حصل حتى الآن من طلب كويتي من السفير الإيراني مغادرة الكويت خلال 48 ساعة، يُشكّل بداية لخطوات سياسية قوية من جانب دول عربية شقيقة عديدة، ممّا ينعكس تصعيداً في المواجهة مع إيران التي حتى واشنطن
تشكو من «نشاطها وتتعهّد التصدّي لنشاطها الخبيث». كل هذا يدفع نحو السؤال: إلى أين سيصل هذا التصعيد؟
لم يعد خافياً أن التصعيد الإيراني السياسي والعسكري ناتج عن استراتيجية مرسومة بدأت قبل سنوات وتبلورت أكثر فأكثر مع تحوّل العراق إلى مساحة مفتوحة للتدخّل الإيراني من دون رقيب ولا حسيب سواء بسبب الانسحاب الأميركي أو الغياب العربي، ثم تطوّرت هذه السياسة باتجاه الانخراط الكامل في الحرب السورية تحت شعارات مذهبية أولاً وصولاً إلى تأطيرها ضمن استراتيجية إيرانية قامت في البداية على إنشاء «هلال شيعي» تؤكد فيه إيران نفوذها وشروطها في أي مفاوضات سواء التي جرت أو التي ستجري لتأكيد موقعها «كقوة كبرى في المنطقة وحتى في العالم» كما يرى الجنرال محمد علي جعفري قائد «الحرس الثوري» وأحد كبار دعاة الحرب «ضدّ دولة عربية» لم يذكرها بالاسم قبل عامين ولكن كان من الواضح أنه يقصد السعودية.
طهران استثمرت بقوة كل مفاعيل «الربيع العربي» خصوصاً الفوضى، ومن ثم الحروب، لتأكيد وجودها وترسيخه بحجّة العمل على ضرب الإرهاب والمنظمات الإرهابية، لكنها في الواقع ثبّتت في العراق القوّة المذهبية ممثّلة بـ«الحشد الشعبي»، وفي سوريا بـ«نظام الأسد». وحتى لا يكون وجودها موقتاً، فإنها حوّلت نجاحها في لبنان مع «حزب الله» إلى تجربة يُقتدى بها في كل الدول التي تضم قوى باسم المقاومة سواء كانت شيعية أو سنّية للعمل تحت شعار «حزب الله» من اليمن إلى سوريا، وحتى باكستان وأفغانستان ودول آسيوية تحت مسميات مختلفة، وقد وصل الأمر إلى حد إعلان الجنرال قاسم سليماني أن الجيش العراقي تحوّل إلى «جيش حزب الله».
بهذا التمدّد «الايديولوجي» والسياسي أصبحت إيران كما قال الجنرال الجعفري أمام قادة القوات البرية «تقف حالياً على مقربة من مراكز المصالح الأميركية وعلى أميركا أن تبعد قواعدها ألف كلم عن الحدود الإيرانية».
هذه النجاحات لم تمنع انسياب «تهديدات» لم تكن محسوبة حتى سنة تقريباً (صعود المطالبات القومية والمذهبية التي تهدد إيران في عقر دارها). ربما وسط النجاحات التي حققتها الاستراتيجية الإيرانية لم تلتقط القيادة في طهران أن «النار» المذهبية والقومية متى قويت تهدد باختراق الحدود الطويلة. الآن استيقظت إيران على الواقع المرّ بأن لها مع العراق حدوداً تصل إلى 1458 كلم في منطقة خوزستان (عربستان) وكردستان العراقية – الإيرانية المشتركة، و909 كلم مع باكستان، ومشكلة البلوش المعقّدة في بلوشستان الإيرانية مذهبياً وقومياً، و934 كلم مع أفغانستان ومشكلة البلوش التاريخية فيها أيضاً والتي تحوّلت في الفترة الأخيرة إلى مواجهات مسلحة، تُضاف إليها مشكلة المياه المُعقّدة القائمة حالياً والمؤهلة للتطوّر باتجاه المواجهة مستقبلاً.
لا تقف تعقيدات الوضع بالنسبة لإيران وكامل المنطقة العربية والآسيوية عند هذه الحدود. ما يُعقّد الوضع أنه مشدود بقوة إلى الداخل الإيراني المتراقص على وقع تنافس يخرج من تحت «العباءة» التي ظللته طوال ثلاثة عقود تقريباً، وما ذلك سوى لأن القوى المتنافسة إلى حدود المواجهة تنشط وكأن خلافة المرشد غداً. وقد وصل الأمر حد العمل على تقييد الرئيس حسن روحاني بكل السبل والوسائل حتى لا يكون الخليفة أو أبرز صانعي الخليفة القادم.
ولا شك أن سجن حسين فريدون روحاني شقيق الرئيس حسن روحاني بسبب «جنحة مالية» وليس «جناية» وسواء كان لأسباب حقيقية أو مُفتعلة فإن القصد منه الضغط على روحاني للتسليم بما يريده معسكر المحافظين المتشددين. وقد ردّ روحاني (يتسلم الرئاسة رسمياً في 19 آب) على هذا، إلى جانب الحؤول حتى الآن دون تشكيل حكومته، لهذا قال أحد مساعديه:
* «يأمل الشعب بأن تُطبّق العدالة في مجال القضاء بشأن الجميع بصورة مستقلة». (ولا شك أن روحاني يملك ملفات لمسؤولين كبار قادر على إدراجها باتجاه المساءلة القضائية).
* «يجب أن يختار الرئيس أقوى الأشخاص لمواجهة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية». (يدور الصراع حول وزارات الدفاع والداخلية والأمن والخارجية).
في هذه الأثناء، كشف بنيامين نتنياهو ربما عن قصد «أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف قوافل لحزب الله بعلم روسيا». بهذا تكون طهران التي تعتبر كما قال الجنرال سليماني أن «هزيمة المقاومة في سوريا تعني هزيمة إيران». تقاتل في سوريا بالتعاون مع موسكو التي تنسق مع إسرائيل كل نشاطها العسكري، والقادم أعظم!