IMLebanon

خيارا النظام الإيراني … أحلاهما مرّ

 

لن يقدم الغاء شرطة الأخلاق في ايران في شيء… هذا إذا كان مثل الخبر صحيحا وليس محاولة أخرى للهرب من الواقع الإيراني المتمثل في أنّ النظام القائم منذ العام 1979 لا علاقة له بما هي عليه ايران بشعوبها المختلفة.

 

الكلام عن شرطة الأخلاق وحلّها ذهاب إلى الشكل بدل الاهتمام بالجوهر. يعني الجوهر ما الذي فعله النظام الإيراني بايران والإيرانيين وما الدي فعله في المنطقة؟

 

يتمثل الجوهر في وجود أزمة نظام لم تعد مرتبطة بحرّية إرتداء الحجاب وكيفية إرتدائه… أو عدم إرتدائه. تتعلّق الأزمة بما ناضل الإيرانيون من أجله طوال سنوات، من آجل التخلّص من نظام الشاه، فإذا بهم ضحيّة نظام أسوأ من ذلك الذي كانوا يشكون منه قبل العام 1979. ناضل الإيرانيون من أجل الحريّة ففقدوها كليّا بعد العام 1979.

 

ثمة حاجة، بين حين وآخر، إلى الإستعادة بالمنطق ولغة الأرقام للتأكّد من أن النظام القائم، الذي يعمل تحت عنوان «الجمهوريّة الإسلاميّة» لم يقدم شيئا للإيرانيين كما لعب دورا في جعل المنطقة كلّها، خصوصا المنطقة العربيّة، تسير من سيّء إلى أسوأ.

 

بالنسبة إلى ايران نفسها، وعد النظام الذي اسّسه آية الله الخميني مستندا إلى نظرية «الوليّ الفقيه»، التي تناسب شخصه، بالإستغناء عن عائدات النفط والغاز. في السنة 2022، لا عائدات لإيران سوى من النفط والغاز. إذا كان هناك إهتمام أميركي وأوروبي بايران، فإن منبع هذا الاهتمام  ما تمتلكه من نفط وغاز واحتمال مساهمتها في التخفيف من أزمة الطاقة العالميّة. في أساس هذه الأزمة الحرب الروسيّة على أوكرانيا وما تسببت به من شبه انقطاع للغاز الروسي الذي كان يذهب إلى الدول الأوروبيّة ومن عقوبات أميركيّة وأوروبيّة على الإتحاد الروسي.

 

كشفت ايران، في ضوء المغامرة الأوكرانيّة لفلاديمير بوتين، عمق العلاقة بينها وبين الرئيس الروسي. صارت، بعدما زودت الجيش الروسي بأسلحة ومسيّرات، شريكا في الحرب الروسيّة على أوكرانيا، مثلما أن فلاديمير بوتين شريك لـ»الجمهوريّة الإسلاميّة» في الحرب على الشعب السوري…

 

ليس معروفا أين فائدة المواطن الإيراني في أن يكون بلده حليفا لروسيا في عدوانها على بلد أوروبي مثل أوكرانيا ليس مسموحا بسقوطه في يد فلاديمير بوتين لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أنّ سقوط أوكرانيا يعني سقوطا لأوروبا كلّها تحت الإبتزاز الروسي. ماذا تفعل ايران في سياق هذه اللعبة الدوليّة التي هي اكبر منها بكثير؟ الأهمّ من ذلك كلّه، ما الذي يمكن آن يجنيه المواطن الإيراني من المشاركة في هذه اللعبة التي لا يمكن أن تؤدي سوى إلى فرض مزيد من العقوبات على ايران؟…

 

على الصعيد الإقليمي، يمكن توجيه سلسلة من الأسئلة إلى النظام الإيراني. تتعلق  هذه الأسئلة بما الذي يفعله في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ هناك جواب واحد عن كلّ هذه الأسئلة. لم تجلب «الجمهوريّة الإسلاميّة» إلى أي بلد من البلدان الإربعة المذكورة سوى الخراب والبؤس والتخلّف عبر ميليشيات مذهبيّة مولتها ورعتها طوال سنوات.

 

في النهاية، ارتدّت سياسة النظام الإيراني في الداخل والخارج عليه. لم تعد المسألة مسألة شرطة أخلاق وما شابه ذلك. المسألة مسألة ماذا يفعل النظام الإيراني في ايران وخارج ايران. ما الفائدة من حصوله على سلاح نووي ما دام ما يزيد على نصف شعبه يعيش تحت خطّ الفقر.

 

بعد مضي ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة الشعبيّة في ايران في السادس عشر من أيلول – سبتمبر الماضي، إثر وفاة الفتاة مهسا اميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق، من المفيد ايراد بعض الملاحظات. الملاحظة الأولى أنّ النظام يقدّم للمرّة الأولى منذ قام في العام 1979  تنازلا ما. مثل هذا التنازل شكلي، لكنه يعني الكثير. أول ما يعنيه أنّه يسعى، عبر إعادة النظر في وضع الحجاب أو عدم وضعه، إلى التصالح مع شعبه. من الواضح، أنّه يجهل أمرا في غاية الأهمّية. تجاوز الشعب الإيراني وتجاوزت المرأة الإيرانيّة مسألة الحجاب. الأمر يتعلّق بكرامة المواطن ورفضه البقاء في اسر نظام عزل بلدا ذا حضارة عظيمة، هي الحضارة الفارسيّة، عن كلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

 

لن يستطيع النظام التصالح مع الشعب الإيراني. هذه مشكلته الكبرى. ليس امامه سوى خيار الرحيل أو إعتماد الطريق الذي سار عليه النظام الأقلّوي في سوريا الذي شنّ حربا على شعبه ابتداء من آذار – مارس 2011 لمجرّد مطالبة هذا الشعب ببعض من كرامته. في حال اختار السير على خطى النظام السوري، هناك سؤالان يفرضان نفسهما. الأوّل من سيدعمه في هذا الخيار؟ أما السؤال الثاني فهو هل أدت الحرب التي شنّها النظام السوري على شعبه إلى نتيجة غير تفتيت سوريا وتحويلها إلى بلد واقع تحت خمسة احتلالات.

 

يقف النظام النظام الإيراني أمام خيارين احلاهما مرّ. خيار الرحيل، أي الخضوع للإرادة الشعبيّة… وخيار بشّار الأسد، مع ما يعنيه ذلك من تفتيت لإيران على غرار ما حلّ بسوريا.