ليس الكلام على «اليوم التالي» بعد حرب غزة سوى تمارين في تصورات إفتراضية. فلا الحرب انتهت. ولا النتيجة محسومة، وسط اصطدام الحسابات المبكرة بالواقع والوقائع. ولا اليوم التالي هو فقط في القطاع بل أيضاً في الضفة الغربية وإسرائيل ولبنان ومعظم الدول في المنطقة التي تتعرض لعواصف جيوسياسية وإستراتيجية إقليمية ودولية.
رهانات الغرب وإسرائيل مبنية جميعاً، بصرف النظر عن الإختلاف في تصور اليوم التالي بين إدارة الرئيس جو بايدن والعواصم الأوروبية وبين حكومة نتنياهو، على مرحلة «ما بعد حماس» في غزة. ورهان «حماس» و»محور المقاومة» بقيادة إيران هو على فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها ومرحلة «ما بعد حل الدولتين». إسرائيل التي زلزلتها عملية «طوفان الأقصى» هاجمت غزة من دون تحديد هدف سياسي للحرب، بحيث لا تعرف ماذا تفعل في القطاع إذا ربحت عسكرياً ولا اذا فشلت. و»حماس» التي قامت بعملية فاقت نتائجها التوقعات كانت تعرف سلفاً ما سيكون عليه رد الفعل الإسرائيلي، وتستعد له، وتراهن على الصمود وعودة القضية الفلسطينية الى صدارة الإهتمام الإقليمي والدولي، وتكريس مرحلة جديدة في صراع الوجود مع العدو الصهيوني.
وحين يرد «حزب الله» على كل المطالب الداخلية والخارجية حول انتخابات الرئاسة وفك الإرتباط بين جبهة الجنوب وحرب غزة وتطبيق القرار 1701 بالقول: لا كلام على اي موضوع قبل أن تنتهي حرب غزة، فإنه يترك للجميع أن يفهموا ضمناً بقية الكلام. والبقية هي الرهان على نهاية مختلفة عن السيناريو الظاهر لحرب غزة. رهان على هزيمة إستراتيجية لإسرائيل، ونصر إستراتيجي لـ»حماس»، بحيث تتكرس مقولة «اليد العليا لمحور المقاومة» في مستقبل المنطقة. وبهذا المعنى، فإن نهاية حرب غزة هي بداية مرحلة جديدة في مسار شقته الثورة الخمينية في ايران. ورئاسة الجمهورية، مجرد موضوع فرعي في هذا المسار: إما الإمساك الكامل بها، وإما الشغور. كذلك القرار 1701 الذي لا يقدم ولا يؤخر اذا كان هناك قرار بشن حرب او حتى بقتال «مضبوط» كما في الواقع الحالي. ولا بأس في التمسك بالقرار والإعلان الرسمي عن «إلتزام تطبيقه بكل مندرجاته»، والحفاظ على قوات «اليونيفيل»، ولكن من دون التطبيق الفعلي ومن دون أن تمارس القوات الدولية دورها حسب القرار.
ذلك أن ما يناسب «محور المقاومة» هو الأزمات. وما لا يناسب المشروع الإقليمي الإيراني وأذرعه المسلحة هو تجذر الدول الوطنية في المنطقة والتوجه نحو التنمية. فلا دور ولا شغل لسلاح «حزب الله» في لبنان اذا جرى بناء دولة وطنية عادلة وقادرة. ولا مجال، مهما تكن مظاهر القوة، لأن يصبح لبنان الذي ينص دستوره على أنه «وطن نهائي لجميع أبنائه» جزءاً من مشروع إقليمي. وليس العمل لقيام «لبنان آخر» سوى تكرار لمحاولات فاشلة دفعنا ثمنها أكثر من مرة عبر جموح طائفة قوية او مستقوية بالخارج للتحكم ببقية الطوائف. والسؤال البسيط، وسط حرب «المساندة لحماس»، هو: أليس تهجير اهل الجنوب هماً ضاغطاً علينا كما أن تهجير المستوطنين في الجليل الأعلى همّ ضاغط على العدو الإسرائيلي؟
أكثر ما ينطبق على حالنا هو قول جورج كينان عن حرب بوش الإبن في العراق:»أنت تبدأ حرباً وفي ذهنك أشياء مجددة، وتجد نفسك في النهاية تقاتل من أجل أشياء مختلفة لم تفكر فيها من قبل».