IMLebanon

الثورة الإيرانية ثورة مضادة عربياً (وإيرانياً)  

إذا كان نجاح الثورة الفرنسية قد أطلق الحرب النابوليونية والحركات القومية وعدداً لا يُحصى من التحولات الكبرى في أوروبا والعالم، فإن فشل الثورات العربية لم يطلق إلا الحروب الإقليمية الضعيفة المعنى، ممزوجة بقدر من العفن تعبر عنه حركات العنف الحاكمة منها والمعارضة.

لكن هذا لا ينبغي أن يحجب حقيقة صارخة هي أن النظام الإيراني، الذي ولد من رحم ثورة شعبية جبارة، كان من البداية مصدراً لا ينضب للثورة المضادة في العالم العربي.

فلئن اتُهمت أنظمة كثيرة تشتبك اليوم مع إيران بمحاولات استيعاب الثورات أو تدجينها أو حرفها عن أهدافها، ولئن حاولت أنظمة كثيرة في المنطقة أن ترعى الثورات المضادة، بقي أن طهران لم تفوت فرصة للوقوف على رأس المدافعين عن «العالم القديم»، كي تبقى وحدها من يحتكر «الثورة». وهي إنما فعلت ذلك بانتظام ومنهجية افتقر إليهما كل الأنظمة الأخرى على اختلافها.

وإذا كان من السهل البرهنة على هذا الافتراض في بلد كسورية، حيث الإيرانيون وتابعوهم هم الذين يسندون نظام البراميل الأسدي، المتفرع عن نظام قام في 1963، فإن اليمن يستعرض الحقيقة ذاتها، وبالشفافية عينها التي ينم عنها الوضع السوري. ذاك أن طهران، وكما هو معلوم جيداً، هي الطرف الداعم لتحالف يضم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وقواته العسكرية والأمنية.

وأمر الوقوف مع الأنظمة القديمة والأوضاع القديمة، بالاستفادة من التناقضات الأهلية في البلدان المعنية، لا يقتصر على دول الثورات. فكمثل الحوثيين في اليمن، وفر «حزب الله» اللبناني، خصوصاً من خلال حربه في 2006، الأداة والمناسبة المطلوبتين لإرجاع الحياة السياسية اللبنانية إلى ما كانته قبل 2005، أي طغيان الأجندة التي وضعها النظام الأمني السوري – اللبناني على أجندة ما بعد اغتيال رفيق الحريري، والتي تصدرها طلبا السيادة والاستقلال. أما في العراق، فبدل الارتقاء بالوضع الناشئ عن إطاحة صدام حسين لبناء نموذج تعددي مقبول، صب الجهد الإيراني، علناً وسراً، في مشروع قوامه استبدال الهيمنة السنية الجلفة لصدام حسين بهيمنة شيعية لا تقل عنها جلافة.

ومفاد هذه التصرفات والأعمال في عمومها تحويل المنطقة منطقة احتراب طائفي مفتوح، أو تهيئة الظروف المواتية لذلك. هكذا لا يبقى من وظائف التدخل في بلد كالبحرين سوى إضعاف الطابع الثوري المحلي لمصلحة الطابع الإلحاقي إقليمياً.

وأسوأ من هذا كله في دلالته على النزعة المضادة للتقدم ذاك السعي النووي الذي سوف يستجر بالضرورة سباقاً نووياً يزيد في إضعاف شروط التنمية، وهي ضعيفة أصلاً، في هذه المنطقة العطشى إلى كل ما يفيد.

وهذا إنما يعيدنا إلى المربع الأول، أي إلى الثورة الإيرانية نفسها، والتي كانت، في موقفها من المرأة ومن الإصلاح الزراعي ومن الاتصال بالعالم، مشروعاً مناهضاً للثورة ثاوياً في بطن الثورة الخصيب.

وهذا كلام ينبغي قوله بصراحة لا تعيقها مواقف الشاه من أميركا ومن إسرائيل. فأن نفهم تلك البداية هو إحدى مقدمات الفهم لما يجري اليوم.