Site icon IMLebanon

استعجال إيراني..  

تهديد المرشد الإيراني بإحراق الاتفاق النووي مع الدول الكبرى رداً على «وعود» بتمزيقه أطلقت في الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، يتلاءم في الشكل تماماً مع السياق التعبوي الذي يعتمده (المرشد) منذ بداية البدايات، ولا يزال يعتمده في كل الحالات، حتى لو كان المقصود عكس المقال والمعلن تماماً!

لكن ما يخرج عن ذلك السياق التعبوي، ويفاجئ في الواقع، هو إبداء المرجع الإيراني الأول تبرماً واضحاً ومباشراً من تأخّر الطرف الآخر، أي الولايات المتحدة أساساً، في تنفيذ ما ورد في الاتفاق المذكور، خصوصاً لجهة عدم رفع العقوبات أو «تنظيم التعاملات المصرفية»، وصولاً إلى القول «إن الأميركيين لا يطبّقون جزءاً كبيراً من التزاماتهم، كما نفعل نحن».

وتلك خلاصة استثنائية وتستحق وضع أكثر من خط تحتها، ثم أخذها بمعانيها المباشرة كما هي.. ومن ذلك أن المرشد شخصياً، وليس غيره، يستعجل بدء الانقلاب الذي أنتجه الاتفاق على كل سياسات إيران الخارجية! ويطالب، من باب العتب وليس التحدي، «الشيطان» الذي بقي في موقع الصدارة والريادة على مدى العقود الثلاثة الماضية، بلعب دور الملاك وفكّ أسر العقوبات عن بلاده! وإعادة وصل ما انقطع من خطوط تتصل بالتعاملات المالية والمصرفية وغيرها!

وتلك، على الهامش، مفارقة كبيرة قياساً إلى توقيت ذلك الكلام وتزامنه مع انطلاق قطار العقوبات المالية الأميركية على «حزب الله». وانطلاق الحزب في مقابل ذلك، في حملة مضادة لتأديب المصارف اللبنانية على حرفيتها ووطنيتها! ولجعل عموم اللبنانيين يدفعون مجدداً أثمان ارتكاباته التي لم يسألهم عنها مرة واحدة!

الواضح في موازاة ذلك أن إيران لا تجد نفسها مضطرة ولو في الشكل، لعدم إحراج تابعها اللبناني! أو حفظ شيء من صدقيته! أو حتى وضع نفسها في موضع التكافل والتضامن (نظرياً على الأقل!) مع معاناة هذا التابع الذي لا ولم يبخل، في المقابل، بشيء لتأكيد التزامه مصالحها الكبيرة والصغيرة، والتافهة والخطيرة، ولا الخوض في الدم والفتن حتى الركب من أجلها وفداء سياساتها وطموحاتها!

ومع ذلك، فإن الأساس الذي يظهره كلام المرشد الإيراني ينقسم على عنوانين كبيرين. الأول هو أن إيران مثلها مثل غيرها في العادة، تبحث عن مصالحها كدولة قبل أي معطى آخر. وهي لم توفّر عنواناً، لا في الدين ولا في الدنيا إلاّ واستغلته في سبيل ذلك، من المذهب إلى فلسطين وما بينهما! ولم تكن بسيطة أو عابرة، في سياق تدعيم هذه الخلاصة، ملاحظة الرئيس حسن روحاني شخصياً بدوره، أن بلاده تتمتع باستقرار أمني. فيما المنطقة مشتعلة من حولها! بعد أن كان أحد كبار رجالات «الحرس الثوري» ذهب في «الوضوح» إلى أبعد من ذلك عندما أكد أن الاستقرار الداخلي الإيراني هو نتاج اشتعال دول الجوار أساساً! وأن الحزام الأمني الوقائي الإيراني يلتفّ في دائرة شعاعها ألفي كيلومتر!

العنوان الثاني الأبرز والأكثر حدّة ووضوحاً (لمن يشاء) هو أن استعجال البدء بتنفيذ الاتفاق مع الأميركيين والدول الخمس الكبرى، لا يعني شيئاً سوى الإقرار الصاخب وببساطة تامة، بفشل كل السياسات التي اعتمدتها إيران قبل الاتفاق وعلى النقيض منه تماماً، والتي أوصلتها إلى حوافي الكارثة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وسياسياً وديبلوماسياً، وأوصلت جوارها إلى نكبات لا تني تتواصل وتتناسل!

بهذا المعنى وبكل معنى، يأتي الكلام من المرجع الإيراني الأول ليؤكد بأن الاتفاق النووي هو أنجح تعبير عن فشل مرحلة امتدت على مدى ثلاثة عقود وأكثر!