تقرير ديبلوماسي لن تكون هناك تسوية على حساب «حزب الله»
حلف إيراني ـ روسي بمباركة أميركية لتجاوز المأزق السوري
تخطّى الاهتمام الغربي الملفّ النووي الإيراني، وبات ينصبّ حاليا على الوضع السوري الذي يهدّد الجوار الإقليمي والأوروبي بفعل تدفق النازحين من جهة، وخطر التمدّد الإرهابي من جهة ثانية. ولعلّ مجابهة الإرهاب والخوف من انتقاله الى دول أخرى هما سبب رئيسي للتدخّل الروسي المباشر في سوريا، وقد جاء بضوء أخضر أميركي وبتنسيق تامّ مع إيران، بحسب ما تذكر أوساط ديبلوماسية على تماس مع هاتين الدولتين.
إن تصوير البعض أنّ طهران منزعجة من التدخل الروسي في الشمال السوري هو في غير محلّه، لأن الإنزال الروسي في سوريا جاء بالتشاور مع طهران المطمئنة، بحسب الأوساط الديبلوماسية الواسعة الاطلاع، الى التدخّل الروسي. وتفسّر هذه الأوساط الخطوة الروسية بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد إعادة دور الاتحاد السوفياتي كلاعب فاعل على الساحة الدولية، وبعدما تمكّن من تخطي «الفخّ الأوكراني» وخلق شرخاً حيال هذه القضية في المعسكر الأوروبي، فإنه انتقل الى الميدان السوري الذي بدأ التحرك فيه حفاظاً على مصالح روسيا ودورها في الشرق الأوسط وسوريا التي تشكّل منفذ موسكو الوحيد إلى المتوسط. لكن بوتين لا يريد في الوقت عينه دفع أثمان باهظة، لذا فإن خطواته مدروسة جيداً، وهو يتصرّف ضمن استراتيجية إعادة الهيبة السوفياتية السابقة مجاهراً بأن الولايات المتحدة الأميركية هي شريك في محاربة الإرهاب.
ولعلّ للخطاب الروسي خلفيته الواقعية، فقد اكتشف الروس أنّ وضع الرئيس بشار الأسد وجيشه النظامي في مواجهة المدّ التكفيري غير مجد للحصول على دعم الغرب، فقرر النزول مباشرة الى الساحة السورية حاملا راية محاربة الإرهاب بضوء أخضر أميركي ينمّ عن انعطافة أميركية أكيدة تجاه مقاربة الموضوع السوري، من دون مبالغة تصل إلى حدّ إعادة تعويم نظام الأسد.
أدرك الروس والأميركيون سوياً أنّ إزاحة الأسد من دون إيجاد بديل ستغرق سوريا والمنطقة في بحر من الدماء، وستبرز انتصار فريق على آخر، لذا اتفقا على نقل السلطة السورية من الأسد بسلاسة وبغطاء سياسي أميركي روسي.
صاحب هذه الفكرة هو وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقد عرضها للمرّة الأولى في اجتماع الدوحة الأخير الذي جمعه بوزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسعودي عادل الجبير.
ضغط الأميركيون على السعودية فوافقت بتردد، لكنّ الأوروبيين وافقوا عليها دولة تلو الأخرى: من ألمانيا الى بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وسواها… أما تركيا فلم يصدق أحد ما قاله رئيسها رجب طيب أردوغان بأن الأسد مقبول لمرحلة انتقالية، وكذلك الأردنيون الذين أقفلوا غرفة عمليات «الموك» تنفيذا لهذا الاتفاق الأميركي الروسي الذي حظي أيضا بمباركة إيران.
هكذا ظهرت الى العلن المبادرة الرباعية – الإيرانية التي طرحها للمرّة الأولى مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسين أمير عبد اللهيان والتي نصّت على نقاط أربع: وقف إطلاق نار فوري في سوريا، تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعديل الدستور السوري وانتخابات رئاسية. لا تزال هذه النقاط ثابتة وتمت الموافقة عليها من الأميركيين والروس سويا، ويناقشها النظام السوري بدقة لأن مندرجاتها وتفاصيلها كثيرة: ففي بند وقف إطلاق النار مثلا ثمة أسئلة عن كيفية التنفيذ، وماذا إذا رفض طرف ما الالتزام؟ ومن هي الجهة التي يمكنها أن تراقب تنفيذ هذا البند؟ أما الحكومة الوطنية، فمن ستضمّ؟ ومن هي الأسماء الرئاسية المرشحة لخلافة الأسد؟
لكن بالرغم من هذا الاتفاق المبدئي والسيناريوهات المرسومة وفقه، فإن الواقع هو أن هناك طرفين اثنين لا يزالان يتواجهان هما المعسكر الروسي ـ الإيراني والأميركي ـ السعودي، والثقة غير موجودة بينهما. فثمة فريق متهم بأنه يريد تحقيق مصالحة مع نظام الأسد وتعويمه بلا تقديم أية تنازلات، في مقابل فريق يريد حذف الرئيس الأسد من المعادلة السياسية السورية بعدما فشل بإزالته عسكريا. هذه النيات المبيّتة لدى الطرفين لا تجعل الحلّ يسيراً.
يبقى السؤال عن مصير «حزب الله»، اللاعب الرئيسي في سوريا اليوم.
تقول الأوساط الديبلوماسية التي هي على علاقة وثيقة بالطرفين الروسي والإيراني إنّ «مهمّة حزب الله هي الدفاع عن لبنان وهذا ما يفعله في حروبه ضدّ إسرائيل وهذا هدف تدخله في سوريا لمحاربة المدّ التكفيري». تضيف: «لكنّ حزب الله يريد الانتهاء من هذه القضية أيضا ليتفرّغ لمهمته الأساسية، وأيّة تسوية مقبلة لن تكون على حساب هذا الحزب».