Site icon IMLebanon

لبنان يُواجه في عهد “الفراغ” ثلاثة تحدّيات خارجيّة صعبة؟

تدهور العلاقات الإيرانيّة- السعوديّة “الإختبار” الأكثر خطورة موسكو تضغط عبر الترسيم السوري… وخشية من عودة نتانياهو!

 

الخوف يبقى من اهتزازات أمنيةّ

ولا ضمانات بتسوية على “البارد”؟

 

دخول لبنان في مرحلة الشغور الرئاسي والحكومي، لم يكن بالأمر المستغرب، بل كان متوقعا في ظل انسداد افق التسويات الداخلية بين بعض القوى السياسية التي تراهن على “الفراغ” لإحداث “فوضى” قد تساعد في اختلال تعادل التوزان القائم حاليا، وذلك بالرهان على تطورات الخارج حيث “تطبخ” الامور عادة، وترسل جاهزة ليصار الى تبرير اكلها على “طاولة” المجموعات اللبنانية المتناحرة، والتي تجد دائما التبريرات لتسويق “التسويات”. لكن وفي ظل غياب الحراك الخارجي، غير المعني اليوم بما يجري في لبنان، تبقى المخاوف من اهتزازات غير محسوبة، بعضها داخلي ومعظمها خارجي، قد تنعكس سلبا على الساحة اللبنانية بأشكال مختلفة، يبقى اخطرها البعد الامني “الهش” القابل للاشتعال متى تأمنت له الظروف الخارجية المؤاتية، بما ان عوامل التفجر الداخلية جاهزة سياسيا واجتماعيا، واقتصاديا، في بلد يواصل سقوطه في “جهنم”. لكن ثمة ثلاثة اختبارات خارجية داهمة في زمن “الفراغ”، فما هي وما هو اخطرها؟

 

– التحدي الاول، يتمثل الآن باختبار نوايا “اسرائيل” بعد نتائج الانتخابات “الاسرائيلية” التي اعادت بنيامين نتانياهو مع عتاة المتطرفين اليمنيين الى السلطة، ووفقا لمصدر ديبلوماسي، فان اتفاق ترسيم الحدود البحرية سيكون على “الطاولة” من جديد، بعد تصريحات سابقة لنتانياهو حول معارضته للاتفاق وخروجه منه حالما يصل الى السلطة. تطمينات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الجزائر بالأمس حول وجود “ضمانة” اميركية تحمي الاتفاق، صحيح له مصداقية عالية، وكذلك ثمة توازن ردع مع حزب الله يحمي الاتفاق ايضا، لكن لا بد من الحذر الشديد من “مناورات” العائد الجديد الى السلطة في “اسرائيل”، فهو يهوى “الابتزاز”، ولن يتوانى عن استخدام ورقة “الترسيم” في معاركه الجانبية مع الادارة الاميركية الداعمة لخصومه. واذا كان نتانياهو غير قادر على الانسحاب من التسوية، فيجب الانتباه جيدا الى وجود بنود على هامش الاتفاق تسمح له بعرقلة وتأخير التنقيب اللبناني عن الغاز، وهذا ما يرتب مفاعيل تصعيد يجب الحذر منها كثيرا، خصوصا ان المقاومة لن تقف “مكتوفة الايدي”.

 

– الاختبار الثاني: في مرحلة الفراغ، تبقى العلاقة مع موسكو التي ترنحت سابقا اثر الموقف اللبناني من الحرب في اوكرانيا، والآن عادت روسيا لتمد يدها الى لبنان من خلال الاعلان عن هبة من القمح والفيول الى لبنان، على الرغم من ضغطها على لبنان بعد تجاهل المسؤولين لدورها في عملية التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، وهو احد الاخطاء الاساسية التي عرقلت ذهاب الوفد اللبناني الى دمشق. وفي هذا السياق، فان كلام وزير الخارجية عبدالله بوحبيب حول عدم وجود تعقيدات بشأن محادثات ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، غير “دقيق”، وقوله انه سيتم الاتفاق على موعد آخر مع السوريين لبدء محادثات ترسيم الحدود، ليس صحيحا ايضا، الا اذا تمت معالجة “القطبة المخفية” في هذه المسألة وعنوانها موسكو، حيث تغفل السلطات اللبنانية عن دورها الكبير والمؤثر في هذا الملف، وتتعامل معها بخفة غير مسؤولة.

 

ووفقا لتلك المصادر الديبلوماسية، فان تحريك الاتصالات يحتاج الى توسيعه ليشمل السلطات الروسية التي تتولى مهمة التنقيب في الساحل السوري واستمرار تجاهل الدولة اللبنانية، لذلك سيعني حكما تعثر اي عملية تفاوض مع الجانب السوري على مساحة 750 كيلومتراً مربعاً ، المختلف عليه في البحر ، علما ان سوريا سمحت لشركة “كابيتول” الروسية البحث والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة النزاع، ما يجعل موسكو شريكة في اي قرار، خصوصا ان الجانب الروسي يريد الدخول إلى مجال الغاز في البحر المتوسط، ولن يسمح لاحد بان “يسلب” منه هذا الموقع الاستراتيجي. فهل تغير الدولة اللبنانية استراتيجيتها وتتواصل مع موسكو من خلال وزراء حكومة تصريف الاعمال ورئيس الحكومة “المنتهية” صلاحية حكومته؟

 

– التحدي الثالث: يبقى الاكثر خطورة، برأي تلك المصادر، فعودة التوتر الى العلاقات السعودية – الايرانية بعد فترة “هدوء” نسبي تلت المحادثات الثنائية في العراق، والهدنة “الهشة” في اليمن، لا يبشر بالخير. فما صدر عن الخارج بعد دخول البلاد في الفراغ، لم يتعد تسجيل بيانات ومواقف “رفع عتب” من قبل الجامعة العربية والاتحاد الاوروبي والخارجية الفرنسية، وقبلهم واشنطن، الا ان الابرز يبقى تحرك السفير السعودي الوليد البخاري الذي يحاول ملء الفراغ بحراك على الارض، وتنظيم حملات اعلامية وسياسية تحت عنوان “الحفاظ” على الطائف، يتوجها بعد يومين بمؤتمر في “اليونيسكو”، فضلا عن امنيات يطلقها على وسائل التواصل الاجتماعي عن توقعاته “بتحسن العلاقات السعودية -اللبنانية بعد تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية “سيادي” يستعيد ثقة المملكة والدول المهتمة بالملف اللبناني”، معطوفا على كلام وزير الخارجية السعودي الذي امل بانتخاب رئيس يوحّد اللبنانيين! وهي مواقف تشير الى ان المملكة تريد ان يكون لها “رأي” في مستقبل الاستحقاقات الدستورية اللبنانية.

 

هذا التدخل يمكن ان يكون مرحبا به، بحسب تلك الاوساط، اذا اقترن بتفاهمات مع طهران، لكن الهجوم الدامي الاخير في شيراز، والاتهامات الايرانية للرياض بالتورط بالمجزرة وبدعم التحركات الشعبية في البلاد، اعاد الامور الى “نقطة” شديدة الخطورة بين البلدين، ويمنع اي تفاهمات جزئية في لبنان. وقد دخلت واشنطن على الخط من خلال اعلان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بان بلاده قلقة من تهديدات إيران للسعودية، وإنها لن تتردد في الرد إذا لزم الأمر، وذلك بعد ان تبادلت السعودية معها “مزاعم” استخباراتية تحذر من هجوم إيراني وشيك على أهداف في المملكة.

 

وفي هذا الاطار، تتخوف اكثر من جهة من انعكاس التوتر الاقليمي المتصاعد على بُعد الاندفاعة السعودية المستجدة للتدخل في الشؤون اللبنانية، وهو امر يحتاج الى متابعة حذرة ودقيقة، لأن تجارب الماضي غير مبشرة، فعندما اختارت الرياض سابقا الدخول في “كباش” مع طهران في لبنان، كان الامن يهتز اولا. فهل نحن امام تكرار للمشهد نفسه؟ ام ثمة وقائع تتجاوز قدرة الخارج على احداث توازنات جديدة في الداخل تجبر الجميع على القبول بالتسوية على “البارد”؟ لا يوجد من يمنح ضمانات، او حتى تطمينات!