لا تحتاج الباخرة الايرانية الى استشارات ملزمة ولا الى مشاورات مع الكتل والأحزاب. هي غير الحكومة اللعينة التي تأبى الخروج الى العلن من دون استشارات تسمية ومرسوم تكليف تعقبهما سلسلة من لقاءات التمحيص والتمعن في الصلاحيات استناداً الى مواد الدستور الجزيل الاحترام، ثم تتوالى الاتصالات، فيهبط مستوى المتصل من رئيس الى مستشار الى موظف… فإلى دراج وناطور بناية. وغالباً، وحسب تجربة الشهور الطويلة الماضية، تنتهي العملية الى تهشيل المكلف وتهشيمه في مزيد من التهميش للمؤسسات الدستورية التي يكن لها الجميع كل محبة.
لمَ تحتاج باخرة النفط الايرانية الى كل هذه المسارات. لا علاقة للقرار بشأن استجلابها، لا بالحكومة ولا بوزارة الطاقة ومنشآت نفطها ولا حتى بمؤسسة المعايير والمقاييس، ولا بالجمارك ولا بالموانئ، ولا برئيس الجمهورية صاحب صلاحية عقد الاتفاق مع الدول الأجنبية… انه ببساطة قرار مسؤول حزبي ارتأى انه يمكن ان يخدم شعبه المتعطش الى المحروقات بهذه الطريقة، وفِي مصادفة عجيبة كانت الدولة الايرانية جاهزة لتلبية طلبه في ظروف انتقالية فيها، حيث الحكومة تنتظر ثقة مجلس الشورى، وبالتالي هي معفية من سؤال خاطر الحكومة اللبنانية، المستقيلة بدورها، عن رأيها بقوافل البواخر الموعودة.
يكشف كل ذلك حجم مختلف الذين يعتقدون انهم يديرون البلد ويشكلون حكوماته، ويظهرهم على حقيقتهم حجماً ودوراً. فالذي اتخذ قرار جلب النفط من ايران، لم يهتم برأي هؤلاء جميعاً. استند الى حاجة الناس وذهب في مشروعه الى ابعد مدى، فإذا نجح يكسب رضىً وتصفيقاً وإذا فشل يكون قد ربح فضل المحاولة. لكن القصة ابعد من ذلك. هي ليست خدمة لشعب الطوابير فقط، وإنما دخول على خط منافسة كارتيلات المسؤولين النفطية المتحكمة في السوق. وهي كذلك تلميعٌ لصورة ايران المستعدة للحلول محل الشركات العالمية في التنقيب عن النفط اللبناني ولو في مواجهة اسرائيل وتهديداتها.
في انتظار المازوت الايراني، أطيح ببقايا دولة وبمشروع حكومة ومؤسسات، وحقق لبنان ممثلاً بـ”حزب الله” خرقاً بارزاً للحصار المفروض على ايران، سيزيد على الأرجح في حصار اللبنانيين أفراداً وجماعات ووطناً محتلاً ومنهوباً.