Site icon IMLebanon

الارتدادات الاستراتيجيّة للتدخّل الروسي ــ الإيراني في سوريا

رداً على الاتهامات الموجهة اليه بالسلبية والتقصير في اعتماد استراتيجية واضحة وفاعلة في سوريا رأى الرئيس باراك اوباما في شهر اذار عام 2014 بانه «يشعر بالشفقة على الذين يقولون ان ايران قد حققت مكاسب في سوريا، التي يعتبرونها صديقهم الوحيد في العالم العربي. لكن في الواقع فقد تحوّلت سوريا الى ركام، وصرف الايرانيون مليارات الدولارات وهم يخسرون في سوريا كما يخسر الاخرون. ويجد الروس ايضا صديقهم الوحيد في المنطقة محاطا بالدمار وفاقداً لشرعيته». في آخر تقييم للرئيس اوباما للوضع في سوريا ومن خلال مؤتمر صحافي عقده في تشرين اول 2015، وبعد التدخل العسكري الروسي والايراني الكثيف من اجل نصرة نظام الرئيس بشار الاسد رأى ان «محاولات روسيا وايران لمساعدة الاسد وحماية النظام وتأمين سيطرته على الشعب من جديد ستقودهم الى مستنقع، دون ان تؤدي الى اية نتائج ملموسة».

من المؤكد بان الروس والايرانيين لا يهتمون لمصير الشعب السوري، وهذا ما تؤشر اليه وحشية القصف الجوي الذي تنفذه القاذفات الروسية وايران، الصواريخ والمدفعية التي تستعملها القوات البرية بمشاركة فاعلة ايرانية ضد المناطق الاهلية في أرياف حمص ودمشق وحماه وادلب واللاذقية وحلب، والتي تسببت بقتل آلاف المواطنين وتهجير ما يزيد عن مئة وخمسين الفا من سكان هذه المناطق.

يسعى الروس والايرانيون لمساعدة حليفهم بشار الاسد للحفاظ على دويلة عاصمتها دمشق وتمتد على طول الساحل السوري، مع الحفاظ على جزء كبير من المناطق الحدودية مع لبنان، حيث يمكنهم لاحقا ان يجلسوا الى اية طاولة مفاوضات كلاعبين اساسيين في البحث عن تسوية سياسية للنزاع.

تقرر في زيارة الجنرال الايراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري لموسكو في آب 2015 ان تشارك ايران وروسيا في مغامرة عسكرية واسعة في سوريا، في محاولة جادة للحفاظ على حدود هذه الدويلة، ومنع حدوث اية عملية اختراق باتجاه اللاذقية وحماه وحمص، تؤدي الى اسقاط نظام الاسد.

كان من الواضح منذ البداية للجنرال سليماني وللقيادة الروسية بان هذه العملية العسكرية ستكون موجهة ضد فصائل المعارضة المتمثلة بجيش الفتح والجيش السوري الحر، حيث انه لا وجود للدولة الاسلامية في هذه المناطق.

رأى الطرفان الايراني والروسي انه يمكنهما تحقيق مكاسب اضافية جراء اطلاق العملية العسكرية هذه، وان الظروف مؤآتية لتنفيذها وذلك بسبب انشغال الرئيس اوباما وادارته في تسويق اتفاقية فيينا النووية مع ايران، وتجاوز معارضة الكونغرس وتحفظ بعض الحلفاء من الدول العربية الخليجية. يمكن لايران الاستفادة من اطلاق العملية العسكرية كدليل على تمسك ايران بمكاسبها الاقليمية وبرفضها لاية مساومة خارجية للحد من فوذها في سوريا والعراق ولبنان. ورأى الروس في نفس الوقت ان هناك فرصة سانحة لهم للعودة الى مسرح العملية السوري والشرق اوسطي دون اية مخاطر، وبادنى اثمان ممكنة. صحيح ان ايران تحاول التمسك بالنظام السوري من اجل الحفاظ على نفوذها في سوريا ولبنان، ولكن لن يكون هذا الامر سهلا، حيث تدرك طهران أن الثمن الذي ستدفعه في الفترة الراهنة سيكون اضعاف ما دفعته في السنوات الاربع الماضية، سواء بالمال او بالدم. كان في السنوات الماضية لدى النظام السوري ما يكفي من الرجال والقوى لخوض معركته العسكرية، واقتصرت حاجاته على دعم ايران اللوجستي والمالي، حيث لم يتعد الدعم العسكري تقديم المشورة من خلال ارسال عدد محدود من الخبراء العسكريين.

اما اليوم ومع تراجع قدرات النظام العسكرية بسبب تناقص المصادر البشرية وتراجع جهوزية وقدرات الوحدات العسكرية بالاضافة الى الوهن العام الذي اصاب الجيش السوري، فانه بات من الضروري ان تدعم طهران صمود النظام ومنع انهياره من خلال ارسال قواتها العسكرية للمشاركة في العمليات العسكرية على مختلف الجبهات، بالاضافة الى الوهن العام الذي اصاب الجيش السوري فانه بات من الضروري ان تدعم طهران صمود النظام ومنع انهياره من خلال ارسال قواتها العسكرية للمشاركة في العمليات العسكرية على مختلف الجبهات، بالاضافة الى زيادة مساعداته المالية بشكل محسوس من اجل تحمّل تزايد الانفاق العسكري، ودعم الخزينة السورية المشرفة على الافلاس.

تدرك ايران خطورة الانزلاق للمشاركة في المعارك الهجومية على خمس جبهات مختلفة وهي حلب واللاذقية وحمص وحماه وادلب، وان مقتل اربعة ضباط كبار في مناطق العمليات ومن بينهم الجنرال حسين همزاني خلال اسبوع واحد هو خير مؤشر على مدى المخاطر المترتبة جراء المشاركة في العمليات العسكرية بصورة مباشرة. ان على القيادة الايرانية ان وتدرك انه بات عليها ان تتحمل ضريبة الدم وذلك نتيجة الانزلاق نحو حرب طويلة وغير مضمونة النتائج.

صحيح ايضاً ان روسيا قد استفادت من الفراغ الذي تركه تردد الولايات المتحدة لاتخاذ موقف صارم وواضح من الازمة السورية، وانها قد شعرت بانه لن يكون هناك اي رد فعل غربي او اقليمي على تدخلها العسكري المباشر في الحرب السورية. لكن لا بد ان تدرك موسكو حجم المخاطر التي يمكن ان تواجهها جراء دخولها كطرف اساسي الى جانب النظام السوري في الحرب.

من المؤكد ان كثافة القصف الجوي الروسي لمواقع المعارضة السورية على جميع الجبهات قد تسبب بصدمة ومفاجأة كبيرة لفصائل المعارضة، ولكن مفاعيل هذه الصدمة ستزول في الاسابيع المقبلة، وسيطور الثوار طرائقهم في التخفي والتمويه والسلوكيات القتالية من اجل تخفيف مفاعيل هذا القصف عليهم. وانه لمن الطبيعي توقع تراجع اندفاعة الهجمات التي يشنها النظام ومعه الايرانيون وميليشياتهم، وبما يتيح لفصائل المعارضة استعادة الانفاس واخذ المبادرة الميدانية من جديد، والتي قد تتطور الى مهاجمة القاعدة الروسية في اللاذقية بواسطة الصواريخ.

على موسكو ان تدرك انها ستكون في الاسابيع المقبلة في حاجة الى زيادة قدراتها العسكرية في سوريا من اجل الحفاظ على المستوى الراهن لتدخلها العملائي، وبالتالي تحمل المزيد من الانفاق العسكري الباهظ، في وقت تعاني فيه من شح وارداتها النفطية بسبب تدني اسعار الطاقة.

بات من الجائز لا بل الطبيعي ان ترى المعارضة السنية في سوريا وايضاً الموقف السني العام في الدعم العسكري المباشر الذي تقدمه القوات الروسية والايرانية الى قوات النظام السوري اعتداء متمادياً عليها. وسيدفع هذا الشعور بالعداء الى الدعوة «للجهاد» لمقاتلة الاحتلالين الروسي والايراني للاراضي السورية، وسيؤدي ذلك الى تقوية الجماعات الاسلامية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية.

ولا بدّ ان نشير الى أن مخاطر تهجير عشرات آلاف المواطنين السوريين من ارياف حمص وحماه واللاذقية وحلب نفسه، ستعيد احياء المشروع التركي لاقامة منطقة عازلة وآمنة في الشمال السوري، وبحماية اميركية ـ دولية، وذلك كخطوة استباقية لمنع تدفق المزيد من اللاجئين الى اوروبا.