الضربة الجوية الاستعراضية التي نفذتها إيران في محافظة ديالى العراقية قبل أيام والتي زعمت أنها استهدفت تنظيم “الدولة الاسلامية” هي عمليا استهداف سياسي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورسالة الى التحالف الدولي والاقليمي المتزاحم في الأجواء العراقية.
الضربة الإيرانية لا تحقق أي أهداف عسكرية، وتم تنفيذها بطائرة “أف-4″، المصنعة في ستينات القرن الماضي وورثتها القيادة الإيرانية الحالية من أيام الشاه. ولا تعادل “أف-4” بالقدرات العسكرية حتى طائرات الميغ التي تبيعها روسيا للنظام السوري، وهي حتما تختفي أمام طائرات “أف-16” التي يقودها التحالف الدولي.
اذا الهدف من الضربة ليس عسكريا، والدليل انه لم يتم حتى الكشف عن مواقع “داعش” التي استهدفها القصف، بحسب الرواية الإيرانية، علما ان ميليشيات إيران ومقاتليها يتمددون من البصرة الى دمشق، ولديهم القدرة على تنفيذ عمليات نوعية أكثر من طائرة جوية عمرها خمسة عقود، وكانت مشاركتها ضئيلة حتى إبان الحرب العراقية-الإيرانية في عهد صدام حسين.
من هنا يجب فهم الضربة الجوية الاولى لإيران داخل العراق منذ 1988 بأنها رسالة سياسية أولا وأخيرا. ويبدو هدفها الأساسي تحذير العبادي ومعه واشنطن والتحالف الإقليمي. فالعبادي لاقت خطواته الاخيرة بطرد 36 قائدا عسكريا من عهد نوري المالكي وتوقيع اتفاق حول توزيع النفط مع الأكراد، ترحيبا اقليميا ودوليا، إلا من طرف واحد: إيران. فاستراتيجية إيران في العراق، كما في سورية واليمن، مبنية على دعم ميليشيات تحمي المصالح والتوسع الإيراني، وهي غير معنية ببناء جيوش وطنية تساعد في تمتين هيكلية الدولة المركزية.
العبادي لم يكن الخيار الأول لإيران التي تشبثت بالمالكي ثماني سنوات، وفرضت اليوم بقوة ميليشياتها في بغداد وزير الداخلية محمد الغبان، وها هي تحاول قطع الطريق أمام اي مصالحة داخلية واقليمية قد يقوم بها العبادي وحكومته. كما تسعى إيران من خلال الضربة الاستعراضية الإيحاء بأنها في صف الولايات المتحدة عسكريا ولوجستيا في الحرب على “داعش”.
إلا ان واشنطن لا تعول في نجاح هذه الحرب على طائرات من حقبة حرب فييتنام، واستراتيجيات تقوض العبادي وتمنع تشكيل قوة عسكرية من الأنبار تابعة للجيش العراقي وتحارب “داعش”. ويعكس المناخ الاميركي – الإيراني تصعيدا واضحا في اللهجة منذ انهيار محادثات فيينا وتخفيض الرئيس باراك أوباما التوقعات حول إتمام اتفاق نووي شامل، والذي أعقبه محاكمة طهران للصحافي الاميركي جايسون رضايان.
ويعزز المناخ التصعيدي استقبال واشنطن قبل ثلاثة أسابيع وفدا من قبائل الأنبار للبحث في تشكيل قوة عسكرية قد يصل عددها الى 15 ألف مقاتل لمحاربة “داعش” واستيعاب مختلف التيارات العراقية في الجيش. وتسعى واشنطن للمضي في تشكيل هذه القوة بالتنسيق مع الحكومة العراقية والشركاء الإقليميين، وفي حال عطلت إيران دور بغداد، فلن تتردد الادارة الأميركية، مثلما قال رئيس هيئة الأركان الاميركية مارتن ديمبسي للكونغرس، في تشكيلها بمظلة إقليمية.
الرؤية الإيرانية للعراق تصطدم مع أي حكومة وطنية في بغداد ومع تطلعات واشنطن وعودتها القوية الى الساحة العراقية من باب الحملات الجوية منذ آب (أغسطس) الفائت. وعلى غرار طائرات “أف-4″، يأتي التصعيد العسكري لإيران من صفحات عهد منصرم، يعتمد على ترسيخ نهج الميليشيات، واستعراضات جوية تعكس في الواقع عجزا سياسيا على الارض.