هل لشهية ملالي طهران الاستيطانية من حدود تحدّها إثر سقوط صنعاء بيد وسيط إيران الجديد في اليمن بعد «حزب الله» في لبنان: الحوثيون؟ وما هو موقف البيت الأبيض من تغوّل العسكر الإيراني وتوغله في المنطقة ابتداءً من لبنان، مروراً بسورية والعراق، وانتهاءً – وليس نهاية – باليمن والبحرين؟ وكيف سيعالج الرئيس الأميركي، باراك أوباما، انقسام بيته الداخلي حول المحادثات النووية مع إيران إثر الخطاب الاستثنائي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في عقر الدار الأميركية: الكونغرس العتيد؟
من نافلة القول، إن الإسلام السياسي تجلّى للمرة الأولى في العصر الحديث، بصيغته الشيعيّة، في الدولة الدينية التي أسسها أصحاب العمائم السود، إثر السقوط المدوّي لشاه إيران ولحكم أسرة بهلوي بقدّها وقديدها. وما لبثت أن صارت هيمنة رجال الدين على القرار السياسي في إيران، ومحاولات دولة الملالي الجادّة والحثيثة لتصدير ثورتها إلى دول الجوار، من الظواهر السياسية المثيرة للجدل بل المقلقة لمعظم دول العالم المدني، غرباً وشرقاً.
فطهران المعمّمة، هي عاصمة الدولة الطامحة الى التحوّل إلى دولة دينية عظمى معزَّزة بقدراتها البشرية والعسكرية، وبمواردها النفطية، وبمشروعها النووي الذي يشكّل استراتيجية تطاولية لسياسات ملالي قم، ولتلك الدوغما القسرية التي تنافي معطيات العصر أمنياً وسياسياً وإنسانياً وحقوقياً.
وطهران المعمّمة، هي الطامحة الى تصدير ثورتها إلى دول الجوار بهدف إلحاقها بمشروع مستقبلي لدولة إسلامية كبرى عابرة للتصنيف المذهبي بين غالبية سنّية وأقلية شيعية؛ دولة نواتها وأسسها سلطة الملالي القهرية، ترسمها طموحات توسعية على حساب دول عربية مستقلة تمدّدت إليها استطالاتها الميليشياوية تارة بحجة حماية أضرحة آل البيت، وطوراً بحجة تحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة، وآخر بدافع قلب أنظمة استبدادية أو – على النقيض تماماً – دعم أنظمة استبدادية، كما هي الحال في دعمها لنظام بشار الأسد، حيث تقود الميليشيا الإيرانية فعلياً عمليات الجيش النظامي وتملي الخطط وتسترئس عليه قادة الميليشيات المتشيّعة، وحيث أصبح التلفزيون الرسمي السوري يبثّ الحدث الإيراني وصور القادة الميدانيين الإيرانيين في المدن السورية خبراً ومشهداً أولاً ورئيساً في نشراته الإخبارية، وقد يلحق به بعض الأخبار المتفرقة عن بشار الأسد أو عن أحد جلاديه أو مستوزريه.
وطهران المعمّمة، هي التي تمدّ أذرعها العسكرية في المنطقة حيث حزب الله ومشتقاته في العراق وسورية واليمن والبحرين مجرّد استطالات سياسية وعقائدية لتلك الأذرع، ناشرةً أسباب الانقسام الطائفي في غير دولة عربية. هذا ناهيك عن الدعم المشروط بالولاء المبطّن الذي تقدّمه إيران لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لكسب الشرعية في الشارع العربي والمسلم من جهة، واستخدام هذه الشرعية للضغط والابتزاز حين تتعرّض المصالح الإيرانية لأي تهديد من جهة أخرى.
الالتباس الحقيقي يقع هنا على مستوى التخاطب الدولي مع إيران، وكيفية صياغة آليات التعاطي مع طموحاتها السياسية المدجّجة بمشروعها الاستراتيجي النووي. فالولايات المتحدة الأميركية التي كانت قد تصدّرت دول العالم في عدائها لإيران، مطلقةً عليها في الثمانينات والتسعينات لقب «محور الشر»، هي عينها من ساهم في إزالة وجعَين عن خاصرتي إيران الجغرافيتين، فأسقطت نظام صدام حسين العدو الأكبر لإيران من ناحية، وقضت على النموذج الديني السنّي الطالباني في أفغانستان من أخرى، والذي كان الخصم العقائدي المذهبي لملالي إيران في المنطقة.
هذا ولم تسفر المفاوضات المكوكية بين إيران ودول مجموعة 5+1 التي تضمّ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، عن أي اختراق يذكر في الملف النووي الإيراني. فالتباين الدولي واضح حول مستقبل المشروع النووي الإيراني، الذي يسير بخطى حثيثة نحو بناء القنبلة النووية الإيرانية التي يراد بها أن تكون قوة رادعة لكل من يحاول الوقوف في وجه مشاريع ملالي طهران الإقليمية.
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة بشكل جليّ، وتفقه دلائل تطوير القدرات الصاروخية الإيرانية موازاة بعمليات تخصيب اليورانيوم المحلية، وتدرك مرامي هاتين العمليتين وتزامنهما الذي يصبّ في المضمار العسكري للمشروع النووي الإيراني، ما دفع الولايات المتحدة الى التعجيــــل بـــإقـــامة منـــظومة «الدرع الصاروخية» القادرة على إسقاط أي صاروخ عابر للقارات يستهدف الولايات المتحدة وحلفاءها.
فصل المقال أنّه في ظل غياب دور سياسي إقليمي فاعل، وليس منفعلاً، للدول المؤثّرة والكبرى في المنطقة كباكستان والسعودية ومصر وتركيا، سيصبح الطريق معبّداً للمشروع الإيراني الأخطر ليستشري في المنطقة، ويمدّ مخالبه التوسعية في غير بلد، ويغرزها في حبل الوريد لغير عاصمة عربية، ما يميط اللثام كاملاً عن العقيدة العنصرية لملالي قم ونهجهم التطهيري الذي يسترشد المثل الشعبي الإيراني الشهير في القتل على طريقة: «الذبح بالقطنة».