زيارة ظريف للبنان تحمل رسائل واضحة للغرب ومفاعيلها محدودة بالداخل
من المجازفة بأن يقبل أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه أو تأثيره بهذه المساعدات، لأن هذا يعني بالنهاية عزل لبنان عن العالم ومحاصرته
تتزامن زيارة وزير الخارجية الايراني محمّد جواد ظريف إلى لبنان هذه المرة مع عدّة وقائع واحداث، أبرزها مناسبة ذكرى ثورة الخميني ضد نظام الشاه، وتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. وتسارع وتيرة زيارات السفراء وممثلي الدول العربية الأجنبية للتهنئة بولادة الحكومة الجديدة.
ومن ضمن هذه الوقائع تُفهم غايات هذه الزيارة ولو كانت غير معلنة، بل إن فحوى المواقف المعلنة خلالها تؤشر بوضوح إلى أن الغرض الأساس منها التأكيد للولايات المتحدة بإستمرار النفوذ الإيراني في لبنان، بالرغم من كل العقوبات المالية الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية والحرب العسكرية الإسرائيلية ضدها في سوريا أو على حلفائها كحزب الله بالداخل اللبناني ومحاولة الالتفاف على الحكومة اللبنانية الجديدة وإعطاء أكثر من إشارة لأكثر من طرف بمساحة النفوذ الإيراني بداخلها هذه المرة قياساً على السابق وأخيراً محاولة منافسة النفوذ العربي المتجدد بلبنان والالتفاف عليه وحتى إمكانية قطع الطريق امام كل محاولات إعادة تعويم العلاقات اللبنانية العربية التي تأثرت في السنوات الماضية بين العديد من الدول العربية ولبنان بفعل التجاذبات السياسية التي حصلت جرّاء استعداء حلفاء إيران للدول العربية، وفي مقدمتهم الدول الخليجية على وجه الخصوص.
لا شك ان هذه الزيارة سجلت حضوراً ايرانياً سياسياً في لبنان، وقد يكون الهدف منه استباق وصول أي مسؤول عربي أو دولي على مستويات رفيعة لتهنئة الحكومة الجديدة وابداء الدعم لها، الا ان هذا الحضور على هذا المستوى، وإن يدل على استمرار محاولات إبداء الهيمنة الإيرانية على لبنان من هذا المنظور، واظهار مواقف الدعم والاستعداد للتعاون العسكري والتقني وتطوير التبادل التجاري وتوسيع حلقة التعاون الاقتصادي وغيره، يبقى محصوراً وبحدود معينة وليست واسعة النطاق كما يسعى البعض لترويج صورة مغايرة، كون هذه الزيارة لم تخرج عن فحوى الظهور الديبلوماسي والسياسي الإيراني في لبنان واستمرار احتضان ودعم «حزب الله» بالرغم من كل التطورات المتسارعة إقليمياً ودولياً والحصار المفروض عليه، في حين قوبلت كل عروضات الدعم المطروحة بتحفظ من بعض المسؤولين ورفض من البعض الآخر كونها غير قابلة للصرف أو التطبيق العملي بفعل سياسة العقوبات الاميركية والدولية المفروضة على إيران والتي تحظر على كل الحكومات والشركات من التعاطي مع النظام الإيراني وبالتال فإنه من المجازفة بأن يقبل أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه أو تأثيره بهذه المساعدات، لأن هذا يعني بالنهاية عزل لبنان عن العالم ومحاصرته مقابل الانفتاح والتعاون مع إيران، وهذا التصرف غير وارد في قاموس المسؤولين اللبنانيين معهما كانت خلافاتهم وتبايناتهم، ولان انتهاج مثل هذه التصرفات سيضر بمصالح كل اللبنانيين وهذا غير مطروح مهما كانت العروضات الإيرانية لماعة ومنفوخة لأنها ستبقى من دون أي جدوى في ظل الأوضاع الدولية الراهنة.
ومع إنكشاف فحوى التحرّك الديبلوماسي الإيراني تجاه لبنان في هذه المرحلة وتحديداً من خلال زيارة ظريف إلى لبنان، الا ان ذلك لن يمنع العديد من الدول العربية والخليجية تحديداً منها لمعاودة التحرّك من جديد، في محاولة واضحة لإزالة كل الالتباسات والرواسب السلبية التي علقت بالعلاقات العربية اللبنانية، ولاعادة تقوية وتطوير العلاقات مع لبنان وتحديداً منها الاقتصادية، وهذا بالطبع يصب في مصلحة لبنان واللبنانيين ولا يتعارض مع هذه المصلحة إطلاقاً.
لذلك، سيبقى تأثير زيارة ظريف للبنان محصوراً بآفاق ونتائج محددة وكلها رسائل ومؤشرات للدول الأخرى في الخارج، بينما قد تفتح زيارات المبعوثين العرب إلى لبنان، الباب واسعاً امام تطوير أفق التعاون نحو الأفضل وأن يحتاج تحقيق مثل هذا الهدف جهوداً كبيرة وعلى مستويات عدّة، الا ان تطوير هذه العلاقات كما كانت في السباق قد يتطلب ظروفاً محلية وإقليمية مؤاتية أيضاً.