نظنّ أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما تحدّث بالأمس كان يوجّه كلامه لمنطقة الشّرق الأوسط أكثر ممّا كان يوجهه لإيران وإن قال إنّ «دول العالم تحملت سلوك إيران المزعزع للاستقرار في العالم، وقد ولّى زمن هذا السلوك»، هل فعلاً ولّى زمن هذا السّلوك الإرهابي بكلّيته والمستمرّ منذ أربعة عقود في زعزعة المنطقة، والّذي كان تاجر السّلاح الأميركي كبير المستفيدين منه وعلى كافّة المستويات، ولكن؛ هل فعلاً ولّى زمن سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، نشكّ في ذلك؟!
ليس الإرهاب الإيراني هو المستفحل شراسة في المنطقة، المشكلة ليست في جهة إيران فقط، المشكلة الحقيقيّة في الموجودين في الجهة المقابلة لإيران، بالأمس تجاهل دونالد ترامب حقيقة أنّ الدّول الأوروبيّة غير فاعلة في الموضوع الإيراني، فبريطانيا وفرنسا وألمانيا كلّ منها توازن مصالحها ودورها في المنطقة وتفضّل أن لا تأتي بـ»الدبّ الإيراني» إلى كرمها، من قال إن الدّول لا تفضّل سياسة الأمثال الشعبيّة التي تحضّ على التعامل بأسلوب جبان مع المواقف الكبرى، أوروبا تعيش سياسة «بعاد عن الشرّ وغنّيلو»، بل حتى سياسة «من خاف سلم»، أمّا الصين فطموحها في وراثة المعسكرين الأميركي والروسي بحروبها التجاريّة، والقبض على العالم عن طريق «طريق الحرير» لا صوت يعلو فوق مصلحتها فيه، فكيف يكون قد «حان الوقت لتتخلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين عن الاتفاق النووي مع إيران»، لن تتخلّى هذه الدّول عن الاتفاق النووي الذي لعبت دوراً رئيسياً في محنه لإيران بعد خوض مجموعة الـ 5 + 1 المفاوضات مع طهران نيابة عن أميركا وأوهام باراك أوباما، لم تنسَ هذه الدول لترامب أنّه مزّق هذا الاتفاق الذي استغرقت مفاوضاته سنوات من عمر المنطقة!
هل فعلاً ولّى زمن السلوك الإرهابي الإيراني الذي يزعزع استقرار المنطقة؟ كيف أصغى الحكام العرب ـ الذين يرتجفون كورقٍ في مهبّ الرّيح منذ قتلت أميركا عدوّهم الأول قاسم سليماني ـ بالأمس لإعلان دونالد ترامب أنّه «لم نعد بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط لأننا أكبر منتج للنفط والغاز في العالم»، اتّكل عرب الخليج منذ قيام أنظمتهم على حاجة الأميركي إلى ثروتهم النفطيّة، وبنوْا وجودهم كلّه على هذه المعادلة، بالفعل لقد ولّى زمن الحاجة النفطيّة الأميركيّة إلى نفط الشّرق الأوسط، كانت أميركا محتاجة لهذا النّفظ وأرهقت الشرق الأوسط بالحروب، وكانت محتاجة لنفط الخليج تحديداً فأخرجت لهم المخابرات الأميركيّة الخميني من قرية نوفل لوشاتو الفرنسية وأعادته إلى طهران ليذبح كلّ أطراف الثورة على الشاه ويعلن نفسه «معصوماً» و»حاكماً» بالنيابة عن «المهدي المنتظر»، وليقوم بأعباء زعزعة استقرار منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وقد أكمل علي الخامنئي مهمّة الخميني، و»الزعزعة» لا تزال مستمرّة، بالنسبة للشرق الأوسط مصيره واضح في ظلّ «صفقة القرن»، ولكن ما هو مصير دول الخليج العربي وموقفها من المعنى الحقيقي لكلام دونالد ترامب بأنّ بلاده لم تعد بحاجة للشرق الأوسط، أي سنغادر الشرق الأوسط، وأمعن ترامب في ترسيخ هذا المعنى عندما قال: «سأطلب من حلف الناتو أن يضطلع بدور أكبر في الشرق الأوسط»!!
عن أيّ ناتو يتحدّث دونالد ترامب؟ هل الناتو الذي غرّد له بأنّه «على دول الناتو أن تنفق اثنين في المئة من الناتج المحلي على الدفاع «الآن وليس بحلول 2025»، أو الناتو الذي غرّد له ترامب بأنّه «أوروبا عليها أن تدفع حصة عادلة من أجل حمايتها العسكرية»؟! كلام دونالد ترامب بالأمس إعلان صارخ أنّ إيران ستستمرّ في زعزعة استقرار المنطقة وتخريب أمن دولها وأخذ دولها رهينة، وأنّها ستبقى «تتفرعن» لأنّها لا تجد من يردّها!!
أما عن مشهد الانتقام الإيراني صباح أمس الباكر، فشيء من قبيل الطرافة والغزل بين الحليفين السيّديْن الأميركي والإيراني، فقد اتصل السيد الإيراني بالوسيط العراقي ليبلغ السيّد الأميركي بأنّ يستعدّوا ويجلسوا في أماكنهم المحصّنة فالسيّد الإيراني مضطرّ أن يلقي بضعة صواريخ تخطىء الهدف، وبعدها تأتينا إبنة قاسم سليماني لتطالب «عمّها» حسن نصرالله بأن يثأر لأبيها!!
ميرڤت السيوفي