IMLebanon

الاندفاعة الإيرانية المثلثة تسابق المقايضة على «النووي»

الاندفاعة الإيرانية المثلثة تسابق المقايضة على «النووي»

شطب خيار المعارضة السورية المعتدلة لجعل الأسد حاجة دولية في الحرب على الإرهاب

الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب لا يمكنها أن تقتصر على التنظيمات السنية المتطرّفة في المنطقة

تشهد ساحات الصراع في المنطقة, بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى اليمن، اندفاعة إيرانية واضحة المعالم تصل إلى حدودها القصوى ترتبط بشكل مباشر بقرار القيادة الإيرانية بتحسين وضعها الإقليمي وتحصينه, والإمساك بمزيد من أوراق القوة قبيل موعد الاستحقاق المرتقب في آذار المقبل في شأن التوصّل إلى «اتفاق سياسي» حول الملف النووي يُحدّد معالم «الاتفاق النهائي» المفترض إنجازه في تموز المقبل.

ومع المناخات المشاعة، على غير جهة، بأن الاتفاق بات شبه منجز، فان المعركة الراهنة تدور رحاها حول حجم المقايضة، وتالياً الثمن السياسي الذي ستجنيه إيران نتيجة تخليها عن الملف النووي، ذلك أن المقايضة بين برنامجها مقابل رفع العقوبات الاقتصادية وتحرير أموالها والانفتاح الأميركي – الغربي عليها ليس الثمن المنشود، بل إن المطلوب أن يواكبه اعتراف واضح بنفوذها وشراكتها في المنطقة خصوصاً في الدول التي تمتد إليها أذرعها السياسية والعسكرية والدينية والعقائدية.

من هذه الزاوية، تتم قراءة تطورات اليمن والانقلاب الحوثي على السلطة، وكذلك الاستماتة في دفع الميليشيات الشيعية، الموالية لها كجزء من الحشد الشعبي العراقي على تعزيز نفوذها في المحافظات الشيعية، وفي المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإنْ كانت الانجازات العسكرية التي تحققت في تلك المناطق لا يعود الفضل فيها إلى الحشد الشعبي وحده، بل هي نتاج عمل مشترك بين الجيش العراقي والأجهزة الأمنية والبشمركة والعشائر بغطاء التحالف الدولي.

ويتم، في هذا الإطار، إدراج ما تشهده سوريا خلال الأسابيع الماضية من معارك شرسة على جبهتين: الأولى تتمثل بالجبهة الجنوبية حيث مثلث ريف دمشق – ريف القنيطرة – ريف درعا، والثانية بجبهة حلب وريفها، ذلك أن الهدف من المعارك على الجبهة الأولى قطع أوصال الإمداد من الحدود الأردنية والإمساك تدريجياً بورقة القنيطرة، فيما تهدف معركة حلب إلى قطع الإمداد من الحدود التركية، وتعزيز وضع النظام في تلك البقعة التي يقترح الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا وقف القتال بها وتحويلها نموذجاً مصغراً لآلية الحل المستقبلي في سوريا.

غير أن المعركة الراهنة في سوريا تتخذ بعداً جديداً في ظل هدف رئيسي يسعى إليه الإيرانيون الذين دفعوا بآلاف العناصر الإيرانية إلى ساحات القتال مدعومة بمقاتلين من «حزب الله» وميليشيات أخرى، ويتمثل هذا الهدف، وفق مطلعين على الرؤية الإيرانية، بالقضاء نهائياً على معاقل ومواقع قوة «الجيش الحر» الذي لا يزال داعمو الثورة السورية من الدول العربية والغربية يراهنون على إمكان أن يشكل النواة الصلبة في مشروع مواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا، ويعملون على تدريب آلاف من المقاتلين تحت مسمى المعارضة المسلحة المعتدلة. فضرب تلك القوى وتحجيمها وإسقاط المناطق الآمنة التي يمكن أن تشكلها سيؤول إلى تقليص إمكانات المراهنة عليها في لعب دور مستقبلي في الحل للأزمة السورية وفي معركة القضاء على التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي سيجعل الواقع السوري أمام خيارين لا ثالث لهما: خيار النظام وخيار «داعش»، وهو ما سيعيد تعويم النظام كحاجة دولية له في الحرب على الإرهاب، تلك الخطة التي تقدمت إيران إلى الصفوف الأمامية وبشكل علني لتنفيذها، بعدما مهّد إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي بالسماح للإيرانيين على مساعدة العراقيين والسوريين في حربهما، سترفع في الأسابيع المقبلة من وتيرة وحدة المواجهات والمعارك والتي يتم وصفها بالـ «المصيرية والحاسمة»، وسط استشعار بأن تلك الاندفاعة الإيرانية المثلثة الأطراف تلقى «غض طرف» أميركي، وإن كان لا يزال باكراً الحكم على النتائج التي قد يحققها المحور الإيراني في المعارك المفتوحة دفعة واحدة.

على أن القراءة المقابلة ترى أن ثمة مغالاة في تقدير إيران لقدراتها على تحقيق انتصارات بالجملة على ساحات الصراع المفتوحة، وفي زمن قصير، ذلك أن السمة التي تطبع تلك الساحات هي سمة الاستنزاف لا سمة الحسم، ما يعني أن أمد المعارك طويل، لا بل أن احتمال امتدادها إلى جبهات جديدة يبقى احتمالاً مفتوحاً.

وتذهب تلك القراءة إلى الاعتقاد بأنه إزاء توسيع تنظيم «الدولة الإسلامية» لنطاق عملياته خارج سوريا والعراق، ولا سيما إلى ليبيا ومصر والمغرب العربي وافريقيا، فإن الاتجاه الدولي الآيل إلى توسيع رقعة الدول المشاركة في التحالف وتفعيل دورها سيصطدم أكثر مع المطالبات، ولا سيما العربية، الدافعة في اتجاه بلورة استراتيجية متكاملة المعالم في مواجهة التنظيمات المتطرفة والمسببات الكامنة وراء بروزها وانتعاشها، فضلاً عن استحالة أن تبقى تلك الاستراتيجية محصورة في ضرب التنظيمات المتطرفة السنية، وترك الساحة للتنظيمات المتطرفة الشيعية أو التي تحتضنها ايران، مما يؤول الى إعادة تكرار الأخطاء السابقة التي شهدها العراق يوم تم القضاء على «تنظيم القاعدة» بما حقق مكاسب سياسية لإيران وحلفائها في المنطقة.