IMLebanon

مقايضة إيرانية في الكواليس: تسهيلات في سوريا مقابل مكاسب في لبنان

روسيا تلعب دور المنسِّق… والملف اليمني وفق «اتفاق الرياض» مفتاح التسويات

مقايضة إيرانية في الكواليس: تسهيلات في سوريا مقابل مكاسب في لبنان

إبعاد الأسد عن السلطة وإيصال رئيس موثوق به يحفظ «حزب الله» بعد انتفاء وظيفة سلاحه

يقول متابعون لملفات الصراع في المنطقة، أن روسيا حين سارت بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 المتعلق بالأزمة اليمنية، والذي وفّر غطاءً دولياً للتحالف العربي بقيادة السعودية في تثبيت الشرعية اليمنية في وجه انقلاب الحوثيين، مدعوماً بالقوى الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، كانت تراهن على حجز موقع مُتقدّم لها في صوغ حل الأزمة السورية عبر ترسيخ معادلة اليمن – سوريا. من هذه الزاوية ينظر هؤلاء المتابعون إلى الحراك الروسي المتعدد الاتجاهات، والمنسّق تنسيقاً وثيقاً مع طهران والرياض، في شأن إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، تمهيداً لخلق تحالف رباعي قوامه السعودية وتركيا والأردن وسوريا، أو خماسي مع انضمام العراق إليه، بهدف مكافحة التنظيمات الإسلامية المتطرّفة وفي مقدمها تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي بات يشكل خطراً حقيقياً يتخطى مناطق الصراع الحالية، ويهدد دول الجوار والخليج العربي ودول آسيا الوسطى.

القناعة السائدة لدى أكثر من جهة دبلوماسية أن اليمن يُشكّل راهناً المفتاح أو المدخل للحل في الملفات المشتعلة أو المعلّقة في المنطقة، وما تشهده الأزمة اليمنية من تطورات دراماتيكية مع تقدّم الشرعية اليمنية، مدعومة من التحالف العربي، في تحرير عدن ومحافظات جنوبية ورجحان كفتها العسكرية، يعزز الانطباع بأن مسار التسوية وفق «اتفاق الرياض» ليس سوى مسألة وقت قبل أن تُسلّم الأطراف اليمنية بالجلوس سوية إلى طاولة الحل.

وفي رأي تلك الجهات الدبلوماسية أنه كلما تقدّمت التسوية في الملف اليمني، كلما تعبّدت الطريق أمام الملف السوري الذي باتت الأطراف المنغمسة فيه على إدراك تام بضرورة وضع حدّ له من خلال تسوية سياسية في ظل عدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكرياً وتحوّل الساحة السورية إلى ساحة استنزاف، وانفلات زمام التنظيمات المتطرّفة.

المتفائلون بإمكان نجاح المساعي الدبلوماسية، من الحراك الروسي إلى دخول سلطنة عمان على خط المعالجات والتي تجلّت أمس بزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى مسقط في أوّل زيارة لدولة خليجية منذ بدء النزاع، ينطلقون من جملة معطيات أولها أن الحرب السورية أنهكت طهران، التي قدّمت كل وسائل الدعم للنظام السوري ورفدته بالتنظيمات المسلحة المحسوبة عليها وفي مقدمها «حزب الله»، لكنها في المقابل نجحت في انتزاع أوراق قوّة على الساحة السورية عبر مد نفوذها وبسط سيطرتها على ما يُعرف بـ «سوريا المفيدة» التي تمتد من الساحل السوري مروراً بحمص ووصولاً إلى الحدود اللبنانية، بما يؤمّن خط الوصل والإمداد مع مناطق نفوذ «حزب الله» في لبنان، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنها تُمسك بالأوراق التي تلزمها لضمان نفوذها وحلفائها في أي تسوية سياسية مقبلة، خصوصاً أن السمة المقبلة، لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، هي سمة التسويات السياسية.

ويذهب متابعون لمقترحات التسوية إلى الاعتقاد بإمكان تجاوز عقدة مصير الرئيس السوري بشار الأسد، في مستقبل سوريا، من خلال التركيز على تشكيل حكومة وحدة وطنية في الفترة الانتقالية ترأسها شخصية مقبولة من النظام والمعارضة، على أن يضمن تعديل الدستور قطع الطريق على إمكان ترشح الأسد لولاية جديدة بعد إجراء انتخابات نيابية بإشراف دولي، وهو حلّ - في رأي هؤلاء - يحفظ ماء الوجه للأسد الذي سيُكمل ولايته الحالية ولا يُحرج حلفاءه، ويحقق للمعارضة والقوى الداعمة لها مطلب خروج الأسد من الحكم، من دون تعريض النظام للسقوط وانهيار مؤسسات الدولة.

على أن المعطيات المتوافرة في الكواليس السياسية اللبنانية تتحدث عن محاولات الربط بين التسوية السياسية في سوريا وحل أزمة الرئاسة في لبنان.

ففي المعلومات أن دبلوماسيين أوروبيين أبلغوا أصدقاء لهم في لبنان أن الأشهر الخمسة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى انتخابات رئيس جديد للجمهورية. وحسب هؤلاء، فإن باريس والرياض والقاهرة تربط أي تقدّم، في ما خص التسويات المطروحة للمنطقة، بإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، وإذا كانت طهران تريثت في إعطاء جواب لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خلال زيارته الأخيرة لإيران، على اعتبار أن الأولوية لديها هي لحل الأزمة السورية ومعرفة حدود حصتها ومصالحها في هذه التسوية، فإن الزيارة المرتقبة لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى بيروت الأسبوع المقبل ترمي، في رأي المراقبين، إلى أكثر من هدف ورسالة، فهي رسالة إلى اجتماع الدوحة الثلاثي (الأميركي – الروسي – الخليجي) بأن طهران حاضرة على الساحة الإقليمية امتداداً إلى لبنان، ولا يمكن تالياً تجاوز دورها كلاعب أساسي في الاستحقاقات اللبنانية، وفي مقدمها انتخابات رئاسة الجمهورية.

ولعل رسالة التبريد التي استبقت وصول المسؤول الإيراني إلى بيروت وفك الارتباط بين القطبين المارونيين، ميشال عون وسليمان فرنجية، تُشير - حسب قراءة المتابعين - إلى أن لإيران مرشحها الفعلي مقابل التسهيلات التي عليها أن تقدمها في الملف السوري، ذلك أن طهران تريد، في مكان ما، مقايضة «تخليها عن الأسد» برئيس في لبنان تثق به ويضمن مصالح «حزب الله» وموقعه السياسي في التركيبة اللبنانية، انطلاقاً من أن التفاهمات الدولية تُرتّب عليها القبول بـ «حزب الله» كقوة سياسية لبنانية بعد أن تكون انتفت مبررات بقائه كقوة عسكرية، من دون أن يعني ذلك تجريد الحزب من سلاحه بقدر ما سيفقد هذا السلاح من دوره على الحدود الجنوبية ضد إسرائيل، في ظل الاعتقاد بأن من مفاعيل الاتفاق النووي الإيراني تبريد دائم للجبهة الجنوبية التي تشهد منذ حرب 2006 وبعد صدور القرار الدولي 1701 هدوءاً غير مسبوق يتجاوز «اتفاق الهدنة» إلى ما يشبه الترتيبات العسكرية على جبهة الجولان بعد حرب 1973.