يُبصر النور اليوم إطار سياسي جديد هدفه «قيام دولة في لبنان» عن طريق «رفع الوصاية الإيرانية» عن البلد، بمبادرة من «لقاء سيدة الجبل»، ويضمّ تنظيمات وأحزاباً وشخصيات عدة وأعضاء في أحزاب تقليدية، إضافة الى وجوه من «ثورة 17 تشرين» تؤيّد تَوجُّه أنّ «هناك وصاية إيرانية على لبنان منعت قيام دولة قادرة على تأمين مصلحة المواطن الحر». وذلك، في وقتٍ تستمرّ التسويات والشراكة السياسية بين الأحزاب التقليدية الفاعلة و»حزب الله». فهل ينجح هذا الإطار في تحقيق برنامجه وتنفيذ خريطة الطريق التي سيتفق عليها، أم يشهد مصير الأمانة العامة لـ«14 آذار»؟ وهل يحظى بدعم شعبي ويُكوّن رأياً عاماً مؤيّداً في ظلّ تحييد «ثورة 17 تشرين» لسلاح «حزب الله» ورفعها شعار «كلّن يعني كلّن»؟
بعد تحقيق هدف رفع «الوصاية السورية» عن لبنان، لم ينجح فريق 14 آذار بالتحوُّل تنظيماً سياسياً واحداً وبإكمال المعركة ورفع «الوصاية الإيرانية»، بل تفكّك ودخلت القوى والأحزاب السياسية التي تُشكّل عموده الفقري في تسويات مع «حزب الله» وحلفائه، وتقاسمت السلطة مع فريق 8 آذار بعد عام 2005، وحصل «ربط نزاع» مع «الحزب» خصوصاً من جهة رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في الحكومات التي سُمّيت حكومات «وحدة وطنية» أو «توافق وطني»، كذلك انتخبت غالبية قوى «14 آذار» العماد ميشال عون حليف «الحزب» رئيساً للجمهورية. في المقابل، واصلت شخصيات وتنظيمات عدة النضال رافضةً التسوية مع «الحزب»، مطالبةً برفع «الهيمنة الإيرانية عن القرار اللبناني»، ومنها «لقاء سيدة الجبل» الذي يضمّ وجوهاً 14 آذارية، ومنها النائب السابق فارس سعيد منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار سابقاً.
وكان «لقاء سيدة «الجبل» قد دعا الى عقد خلوة للبحث في رفع وصاية إيران واستعادة القرار اللبناني، ووَجّه دعوات علنية وخاصة الى الأحزاب والقوى والشخصيات التي تُشاركه هذا التوجّه. ويَعقد اليوم مؤتمراً – خلوة تحت عنوان «مبادرة وطنية لإطلاق برنامج مرحلي مشترك يرتكز على التنفيذ الحرفي لوثيقة الوفاق الوطني والدستور وقرارات الشرعية الدولية». وتُشارك في هذه الخلوة أحزاب وشخصيات وقادة رأي وصحافيون، ومن المُقرّر أن يصدر عنها برنامج مشترك بعد أن يُناقش ويُصاغ بنداً بنداً.
هذا البرنامج هدفه ووظيفته «رفع وصاية إيران عن لبنان»، وفق ما يقول سعيد لـ«الجمهورية»، إنّما «ليس عبر استدعاء وصاية أخرى تحلّ مكان هذه الوصاية، بل من خلال إعادة تكوين الوحدة الداخلية اللبنانية حول 3 عناصر: وثيقة الوفاق الوطني، الدستور وقرارات الشرعية الدولية 1559، 1701 و1680».
أمّا السبب الرئيس الذي يستدعي عقد هذه الخلوة والخروج بإطار سياسي يجمع جهات عدة وببرنامج وخريطة طريق لقيام دولة في لبنان وذلك بـ»رفع الوصاية الإيرانية»، فهو بحسب سعيد، «عدم إمكانية قيام دولة في لبنان قادرة على تأمين مصلحة المواطن الحرّ إلّا إذا رُفعت هذه الوصاية، وهذا على عكس ادّعاء البعض أنّ لبنان غير قادر على حُكم نفسه بنفسه وهو في حاجة الى وصاية خارجية، فسوريا تعاملت مرّةً مع لبنان على أنّه محافظة سورية ومنعت قيام الدولة، وفي مرة أخرى سَلّمت الوصاية الإيرانية التي تفسد الشراكة الوطنية والعيش المشترك، وستؤدي الى الخروج من الدستور وعليه، وهذا ما يرفضه المجتمعون اليوم».
يشارك في هذه الخلوة عدد من الشخصيات، كذلك هناك أوراق واردة من تنظيمات وأحزاب وشخصيات سبقَ لها أن شاركت في مناقشة برنامج الخلوة الذي أُرسل إليها سابقاً ووضعت ملاحظات عليه، وأرادت أن تُناقَش الأوراق والملاحظات التي أرسلتها حتى لو لم يُشارك ممثلون عنها شخصياً.
ويُفتتح المؤتمر – الخلوة، بكلمة لسعيد بإسم «المبادرة الوطنية» التي تضمّ «لقاء سيدة الجبل» وتنظيمات أخرى، ثمّ تُتلى الأوراق الواردة، بعدها يُصار الى مناقشة البرنامج المطروح بنداً بنداً. وفي الختام تصدر، في بيان، المقررات النهائية والبرنامج المشترك الذي تم الاتفاق على عناصره ونقاطه، ويُعلن إطار سياسي يضمّ كلّ من شارك في هذه الخلوة، ويحمل الثلاثية الضرورية في هذه اللحظة، بحسب ما يوضح سعيد، وهي:
– عدم الخروج عن وثيقة الوفاق الوطني و»اتفاق الطائف» في لحظة تبدّلات إقليمية هائلة، وفي ظلّ وجود فريق يحمل السلاح وأفرقاء آخرين عُزّل.
– ضرورة التمسّك بالدستور الذي يؤكد نهائية الكيان اللبناني من جهة، وعروبته وهويته العربية من جهة أخرى.
– ضرورة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بحيث لا يكون هناك سلاح إلّا سلاح الجيش والقوى الأمنية الشرعية اللبنانية.
وعن الآمال المتوقعة من هذا المؤتمر والنتائج المرجوّة من الإطار السياسي المنبثِق عنه، خصوصاً أنّ القوى السياسية التقليدية الرئيسية التي تمثّل بيئتها وطوائفها، مثل تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتركي» في «مكانٍ آخر» وفي وقتٍ فشلت مؤتمرات عدة في إحداث أي تغيير، يُشير سعيد الى أنّ «هذا المؤتمر هو الوحيد الذي يضع خريطة طريق، فالمؤتمرات الأخرى وضعت عناوين ما دون الوطنية، وهي عناوين فرعية من فساد وسوء إدارة ونظام طائفي وأحزاب تقليدية وأحزاب حرب.. فيما أنّ العنوان الأساس بعد عنوان رفع الوصاية السورية هو رفع وصاية إيران عن لبنان، وانّ الجميع عمل في «السياسية» على قاعدة «ابعُد عن الشر وغَنّي له»، أو على قاعدة نظام المصلحة الذي تمكّن «حزب الله» من خلاله أن يخترق التنظيمات والطوائف في لبنان. وهذه المرة الأولى منذ عام 2005 الذي يرفع مؤتمر عنوان رفع وصاية إيران عن لبنان». ويؤكد سعيد أنّ المؤتمر سيشهد «مشاركة سنية ودرزية وشيعية ومسيحية وازنة»، مشيراً الى «مشاركة أعضاء من «المستقبل» ومن «الاشتراكي».