IMLebanon

الاتفاق الإيراني ـ الغربي؛ رؤية ثالثة

معلّقون وكتّاب من جماعة «عاصفة الحزم»، سخروا من حجم التنازلات التي قدمتها إيران للغرب في إطار تسوية الملف النووي؛ أفلم تكونوا مذعورين من القنبلة النووية الإيرانية؟ إذاً، من المنطقي أن ترحّبوا باتفاق سيمنع إيران من انتاج أسلحة دمار شامل، أليس كذلك؟ بل أكثر من ذلك، يمكن النظر إلى الخاتمة السعيدة للصراع حول «النووي»، كمثال على عقلانية الدولة الإيرانية، وامكانية حل المشكلات معها بالمفاوضات، بدلا من إثارة الحروب، والتحريض الطائفي و»القومي»، وتحشيد الجماعات الإرهابية التي حوّلت حياة العرب إلى جحيم.

من الحديث الساخر عن التنازلات و»البيع»، ينتقل صحافي لبناني مرموق إلى كشف السر وراء الاتفاق: لدى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ميول شيعية! وإعجاب بالحضارة الفارسية! ومستشاروه هم من أصول إيرانية أو صديقة لإيران! هكذا هبل تردد على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال به كتبة من الصف الثالث، ولم أصدّق عيني حين رأيت كاتبا له وزن يتبناه؛ فإلى أي دركٍ وصلنا؟

هدف الخطاب المتناسل حول الاتفاق الإيراني ــــ الغربي، هو، في النهاية، التشكيك بالسياسة الإيرانية المعادية للغرب، بل وإثارة اللغط حول تواطؤ أميركي مع إيران. وهو ما لا يمكن تفسيره بعوامل موضوعية؛ فيكون حلّ المعضلة، باكتشاف «شيعية» أوباما!

على الجبهة الأخرى، هناك خطاب احتفالي، يتعامل مع الحدث، باعتباره انتصاراً مؤزّراً لحلف المقاومة، ويتجاهل آثاره السلبية على القوى الحليفة لإيران، ومجريات الصراع في المشرق والجزيرة العربية.

خارج هذين الخطابين، نحاول التوصّل إلى مقاربة واقعية للاتفاق الإيراني ــــ الغربي، كالتالي:

أولاً، قدمت إيران للغرب تنازلات عميقة، ولكن في الحقل التقني، وليس في الحقل السياسي. وهو ما يدلّ على نزعة عقلانية براغماتية، إنما لا تتنازل عن ثوابت الاستقلالية، والحق في امتلاك القوة، وتحديد مسارات سياساتها الخارجية والداخلية. التيار العام في الجمهورية الإسلامية، وعلى رأسه المرشد، لا يريد سلاحاً نووياً. والتنازلات الإيرانية المباشرة، تقع، حصراً، في هذا الباب. وبالمقابل، ستتمكن إيران من التزوّد بمنظومات جديدة من الأسلحة الروسية المتطورة، بل بدا من خلال تسريع البحث في حصول الإيرانيين على صواريخ إس 400، وكأن ذلك جزء من الاتفاق النووي.

لن تمتلك إيران قنبلة نووية، ولكن جرى الاعتراف الدولي بحقها في التخصيب واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، بالإضافة إلى حصولها على موارد ضخمة وشرعية كاملة لتعزيز قدراتها العسكرية، استيرادا وتصنيعا، على نحو غير مسبوق.

ثانياً، تحرّرت إيران من إسار العقوبات، وستستردّ ما يقرب من 150 مليار دولار مجمدة في النظام المصرفي الغربي. وهو ما يتيح لها الشروع في قفزة تنموية من تزاوج رأس المال والتراكم العلمي ــــ التقني الذي بناه الإيرانيون في العقدين الماضيين. وسينعكس هذا الصعود الاقتصادي المأمول، في تعميق الدور الإيراني على الصعيد الدولي، وخصوصاً في إطار التعاون مع دول البريكس، وعلى الصعيد الإقليمي، من خلال دعم التجارب التنموية بالخبرات والرأسمال.

ثالثاً، رفضت إيران بحث الملفات الإقليمية مع الأميركيين. في المقابل، أكّد الرئيس أوباما، على استمرار الخلافات والمواجهات السياسية مع الإيرانيين؛ ولكن ذلك لا يمنع من حصول تنازلات موضوعية، غير مباشرة، ومن الطرفين، في تلك الملفات. في الواقع، فتح الاتفاق النووي، الأبواب، لمفاوضات حول تسويات أخرى في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. شئنا أم أبينا، فإن روحية الاتفاق الإيراني ــــ الأميركي، تقود إلى تهدئة الجبهات، والبحث عن مخارج للأزمات، قد لا تناسبنا من حيث المحتوى أو من حيث التفاصيل. ولتلافي هكذا تطوّر سلبي، ينبغي على الأطراف العربية في محور المقاومة المسارعة إلى الدخول على الخط، واكتشاف ومعالجة أي خلل ممكن في تطابق وجهات النظر مع طهران.

رابعاً، صحيح أن المرشد يشكل ضمانة لحلف المقاومة، لكن من الصحيح ، أيضا، أن التيار الليبرالي قد اكتسب، الآن، موقعا أقوى في السياسة الإيرانية. وهو ما يثير القلق؛ فلقد سبق لوزير الخارجية السوري، وليد المعلّم، أن كشف عن ميول لدى فريق روحاني ــــ ظريف، قمعها المرشد، للتراجع عن دعم سوريا. ولا شيء يمنع أن يستخدم هذا الفريق نجاحه في مفاوضات النووي، للتأثير على قوة الموقف الإيراني المساند لسوريا.

خامساً، غير أن الأخطر لا يتعلق بإيران، وإنما بالفاتورة التي ستسددها الولايات المتحدة، لإسرائيل، مقابل تمرير الاتفاق النووي. وإذا كانت القضية الفلسطينية على رأس بنود تلك الفاتورة، فإن هناك ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن تل أبيب، ستحصل على مشاركة ثمينة في «الحلف الرجعي العربي» بقيادة السعودية، وربما، أيضا، على غطاء سياسي لشنّ عدوان جديد على سوريا ولبنان، من ضمن احتمالات أخرى لا يمكن تجاهلها.

أهو انتصار حققته الجمهورية الإسلامية؟ نعم؛ غير أنه انتصار مشوب بالتنازلات، وتختلط، في سيرورته، نتائج إيجابية وأخرى سلبية بالنسبة لمحور المقاومة. والأهم الآن أن نتحرك لتعظيم الايجابيات وتحجيم السلبيات؛ هذا ما تفرضه العقلانية والواقعية السياسية، الأداتان اللتان آن لنا أن نمتلكهما.