السنيورة يتلقّى معايدة برأس السنة الفارسية
«إنجازات إيران» بين المنابر.. لا في الحوار
الصراع الداخلي لم يعد داخلياً. من يهاجم ارتباط «حزب الله» بإيران ومشروعها في المنطقة، يعلن جهاراً أنه يحارب هذا المشروع أيضاً، ليس في لبنان فقط إنما في المنطقة أيضاً. يتعادل الطرفان في تورطهما ورهانهما على الصراع الإقليمي، لكن حوارهما وحده يساهم، نسبياً، في حجب أجندتيهما الإقليميتين عن سماء لبنان.
ذلك الحوار أثبت أنه تحول إلى مؤسسة لا تتأثر بالتوتر القائم بين الطرفين بشأن أكثر من ملف. «زوبعة» خطاب الرئيس فؤاد السنيورة في «14 آذار» والتي تلاها زوبعة ردود عليها، يصعب إيقافها. ما العمل إذن؟ كان الحل الوحيد بفصل المواقف السياسية عن اتفاق سحب الخطابات المذهبية من المنابر. قلة يعرفون التمييز بين الخطابين، لكن الأمر الواقع فرض نفسه. وإذا كان البعض يردد أن لا أحد يمون على السنيورة، فإن الحل الأنسب لمن يريد عدم تعريض الحوار لانتكاسات جديدة ربطاً بخطابات متشنجة متوقعة، هو الإيحاء بأن في «المستقبل» أكثر من جناح، وبالتالي الدعوة إلى فصل خطاب المنابر عن الحوار، الذي نقل عن الحريري أن استمراره هو قرار إستراتيجي بالنسبة له. وخاصة إذا ما سمع «حزب الله» بأن لا تبادل أدوار في «المستقبل»، إنما أدوار مختلفة بأهداف مختلفة أيضاً.
وإذا كانت حرب المنابر ستنتقل إلى لاهاي اليوم، مع شهادة الرئيس السنيورة في المحكمة الدولية، فإن عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي لم يشأ إنهاء كلمة له في بلدة جويا الجنوبية، أمس الأول، قبل أن «يزكزك» السنيورة، بمناسبة رأس السنة الفارسية، التي تبدأ في 21 آذار، قائلاً له «كل نوروز وأنت بخير».
تلك «الزكزكات» صارت جزءاً من اتفاق غير مكتوب بين الطرفين. وكلما تحدث السنيورة أو أي من فريقه النيابي سيجد من يرد عليه، ليس في «حزب الله» فحسب، إنما من «8 آذار» بشكل عام. علماً أن أعنف رد جاء على لسان الوزير السابق وئام وهاب الذي اعتبر أن هناك تطابقاً بين خطاب السنيورة وخطاب بنيامين نتنياهو، وهو سيمثل اليوم أمام المدَّعي العام للإدلاء بإفادته، بعدما ادَّعى عليه السنيورة.
يبدو جلياً أن خطاب «14 آذار» صار موجهاً أكثر نحو إيران. لم يعد «حزب الله» متهماً إلا بوصفه أداة إيرانية تسيطر على لبنان. وهو بهذه الصفة، يعزز حضور «الامبراطورية الإيرانية» التي نُقل عن مستشار الرئيس حسن روحاني علي يونسي قوله إن عاصمتها بغداد. «14 آذار» تسرّعت حينها وطلبت توضيحاً من «حزب الله» وحلفائه، قبل أن تكتشف أن الاعتراض جاء من إيران قبل غيرها وقبل أن تكتشف أن يونسي استُدعي إلى المحكمة الخاصة بعلماء الدين وأحيل للتحقيق حتى بعدما خفف من لهجته، وقبل ان تكتشف أن ما نُقل عنه لم يكن دقيقاً.
كان النقاش في جلسة الحوار الأخيرة سوريالياً. كيف يحاسَب «حزب الله» على مواقف تصدر من إيران، فيما لا يحاسَب «المستقبل» أو حلفاؤه على تأييدهم لمواقف دول أخرى لها تأثير سلبي ومباشر على اللبنانيين.
أمس، نشر عدد من المواقع العربية خبراً ينقل عن قائد «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني، قوله، في ندوة طلابية، إن «لبنان والعراق يخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها». وبناءً على التجربة السابقة لم ينجرّ أحد إلى التفاعل مع هذا الخبر، لكن مصدراً في «المستقبل» اكتفى بموقف عام، طالباً من «8 آذار» تبيان موقفها من «سيل التصريحات الإيرانية التي تنتقص من سيادة لبنان»، معلناً أنهم «إذا لم يفعلوا فسنرفع مستوى الخطاب إلى حد اتهامهم بالعمالة لإيران، كما يتهموننا بالعمالة لإسرائيل». ولا ينسى المصدر التذكير أن هذا الملف الخلافي ليس مطروحاً على طاولة الحوار مع «حزب الله»، بما يعني أن فريقه ليس مضطراً إلى مسايرة أحد بشأنه.
مع ذلك، لم يحتج الخبر الأخير إلى توضيح، بعدما صار كثر مقتنعين أن منظومة إعلامية عربية تعمل بشكل منظم على بث وتلفيق الأخبار المتعلقة بإيران. وأكثر من ذلك، من يعرف سليماني يصعب عليه أن يصدق الخبر.. من دون أن يعني ذلك أن الأخير لم يصبح في الفترة الأخيرة عنواناً ثابتاً في نشرات الأخبار، أولاً بسبب اختياره «شخصية العام» في إيران وثانياً بسبب الإعلان عن دور رئيسي له في قيادة الحرب على «داعش» في العراق.
ذلك تغيير يستحق التوقف عنده في السياسة الإيرانية. لم يُعرف عن طهران مجاهرتها بما تفعله. هل لتغيير إستراتيجيتها علاقة بالمفاوضات مع أميركا؟ يسارع أحد المتابعين الدقيقين للسياسة الإيرانية إلى التأكيد أن مسألة عزل الملف النووي عن الملفات الأخرى صار ثابتاً بعدما فرضته إيران في المحادثات. وعليه، فهو يعزو هذا التغيير إلى فترة ما بعد المعركة الحالية.. أي إلى مرحلة تثبيت الأحجام. يعتبر المصدر أن إيران استفادت من تجربتها السابقة في العراق، حيث تبين لها أن العمل في الخفاء لا يفيدها كما العمل في العلن. ومن هلل لهزيمة أميركا في العراق لم يعرف أن دورها كان حاسماً في ذلك الإنجاز، بعدما تبين أن 80 في المئة من الخسائر الأميركية تعود إلى العبوات الإيرانية التي كانت تزرع على جوانب الطرق.
اليوم تغير الواقع. طهران تعلن جهاراً أنها تخوض حرباً ضد «داعش».. بوسائل جديدة. حربها لم تعد عسكرية فقط إنما إعلامية أيضاً وبالصوت والصورة. وفي هذا السياق، يصبح الإعلان عن وجود سليماني على خطوط التماس جزءاً من المعركة التي تلقى مشروعية دولية.