منذ وصول وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى نيويورك قبل ايام للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، سرت انباء عن ان طهران مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها من اجل ردع تنظيم داعش مشترطة مرونة اكبر في ما يتعلق ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم. وتم تكرار هذه الانباء مرارا في اليومين الماضيين في اعقاب اللقاء الذي جمع ظريف مع نظيره الاميركي جون كيري. وقد انزعجت ايران من عدم دعوتها الى مؤتمر باريس من اجل العراق في الوقت الذي اعلن مرشدها ان ليس التحالف بين ايران والولايات المتحدة او ان تكون ايران عضوا في التحالف الدولي مشكلة في حد ذاته على ما يتضح من ذلك، وهي مهدت له بأخذ ورد على اثر بدء الولايات المتحدة عمليات عسكرية جوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق بدت كأنها تمهد للوصول الى النقطة الحالية مما يضيق هامش المتاجرة او توظيف رفض ايران في هذا الاطار. بل ان ايران تحاول ان تضع على طاولة المفاوضات مع مجموعة الدول الكبرى زائد واحد حول ملفها النووي مجموعة ملفات اقليمية باتت على غرار الاوعية المتصلة من العراق الى سوريا وما يرتبط بهما في سائر المنطقة مستفيدة من آراء سياسية غربية عدة تدفع في اتجاه ادخال ايران كما روسيا في التحالف الدولي من اجل ضمان نجاح الحملة الدولية ضد داعش وهي تنوي ان تحاول المقايضة بالاوراق التي تملك على هذا الصعيد في مقابل عدم تخليها عن بعض النقاط المهمة لها في الملف النووي. ( يفتح ذلك بابا جانبيا حول رفض “حزب الله” المقايضة في ملف العسكريين مثلا في حين لم تعرف الحكومة اللبنانية التمسك بأن مبدأ التفاوض في الاساس يعني الاخذ والرد والتبادل بغض النظر عما يتم تبادله وحجمه وطبيعته لمن يرفض كلمة مقايضة. كما يفتح بابا جانبيا آخر حول رفض الحزب مشاركة لبنان في مؤتمر بناء التحالف ضد داعش في جدة واحتمالات ان يعيد النظر في رأيه حول التحالف الدولي وثقته في قدرته على مواجهة داعش في حال او متى انضوت ايران من ضمنه).
وحتى الآونة الاخيرة رفضت الولايات المتحدة ارساء اي صلة بين ملف ايران النووي وما يجري من تفاوض وبين ملفات العراق وسوريا او سواهما من ملفات المنطقة. وفيما ترى مصادر معنية في الموقف الايراني ما يبرر لطهران امام الرأي العام المحافظ لديها الانضمام الى التحالف لئلا تبقى خارجه بعدما ابدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده للعمل مع التحالف ضد داعش، وان لم يحدد وفق اي صيغة، فان ثمة مصادر اخرى ترى في استبعاد ايران وروسيا نجاحا غير مضمون لمواجهة داعش وتقييد تقدمه في المناطق التي يسعى للسيطرة عليها وضرورة استغلال دعوة ايران من اجل صفقة اقليمية في المنطقة تشمل ملفات عدة.
لكن المسائل تبدو اكثر تعقيدا مع تداخل جملة عوامل من الصعب ايجاد اجوبة شافية لها. فاذا كانت ايران جادة في مقايضة تعاونها في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية لقاء مرونة في تخصيب اليورانيوم، فان الانظار يمكن ان تتوجه الى اسرائيل المعارضة اتفاقاً مع ايران حول ملفها النووي لا يأخذ في الاعتبار مصالح اسرائيل ومخاوفها التي قد يزعجها على الارجح تحالف دولي يستوعب ايران من ضمنه مع ما يرتب ذلك من اعتبارات وانعكاسات. كما ان الاسئلة التي تثار على هذا الصعيد تتصل بطبيعة الاوراق التي يمكن مقايضتها انطلاقا من ان التعاون الاساسي المطلوب من روسيا وايران يرتبط بالازمة السورية في ظل انزعاج كبير لكل منهما لاسقاط التعاون مع نظام بشار الاسد وادراجه من ضمن التحالف في مقابل اقرار دعم وتدريب المعارضة المعتدلة في سوريا، وهو العامل الذي حاربته روسيا بقوة في الاعوام الثلاثة الماضية من اجل المحافظة على استمرار الاسد في موقعه. لكن مع ادراك ايران وروسيا ايضا ان مواجهة تنظيم داعش وانهائه لا يمكن ان يحصلا من دون التخلي عن الاسد كما حصل بالنسبة الى نوري المالكي في العراق. كما ان الاسئلة لا تغيب عن ضرورة تعاون ايران في العراق انطلاقا من ان استبدال المالكي لا ينفي سيطرة ايران ونفوذها على ميليشيات عراقية حلت محل الجيش العراقي وباتت تسيطر على مفاصل العراق ومقدراته بما يعوق التفاهم مع العشائر السنية. وكيف يمكن التوفيق بين الاثمان التي تتطلع كل الدول في المنطقة التي انضوت من ضمن التحالف الى تحقيقها في ظل تنافس قاتل على النفوذ والسيطرة في المنطقة. في الوقت الذي لم تتضح فيه بعد نتائج اللقاء الذي جمع وزير خارجية ايران ظريف ونظيره السعودي سعود الفيصل في نيويورك يوم الاحد الماضي والذي تحدثت مصادر ايرانية ان زيارة لظريف الى السعودية ستعقبه علما ان اللقاء الاخير عقد على وهج تسوية في اليمن منحت الحوثيين شراكة في السلطة بما يمكن ان يعد وفق المحاور والاصطفافات والاتهامات في المنطقة كسبا لمعركة أساسية لمصلحة ايران وحلفائها في مقابل خسارتها الرمزية في العراق بتخليها عن المالكي بغض النظر عن امكان ان يؤدي ذلك الى حرب أهلية جديدة هناك ام لا.
في الانتظار لا تجيب الديبلوماسية الناشطة في نيويورك هذا الاسبوع على المخاوف التي تجتاح دول المنطقة من الخرائط التي بدأت تشهد تعديلات قسرية.