Site icon IMLebanon

النظام الديني الإيراني في حَقَبتِهِ “غير الدينية”[1]

في لقائه مع رجال الأعمال الإيطاليين ذكَر بل ذكَّر الرئيس حسن روحاني باسم مكان في إيران ليس مألوفاً الحديث عنه كثيرا في العالم. إنه مرفأ مدينة شاباهار على الضفة الإيرانية من بحر العرب وهو أقرب مرفأ إلى الحدود البحرية لباكستان مع إيران.

قال الرئيس روحاني أن مرفأ شاباهار يمكن أن يكون قاعدة لسوق تضم ثلاثمائة مليون نسمة، وهو يقصد بذلك على الأرجح باكستان وجزءاً من الصين (الغربية) وآسيا الوسطى. وكان وزير النقل الهندي في أيلول المنصرم قد أبدى استعداد بلاده لإستثمار 15,2 مليار دولار في إيران وبينها تطوير ميناء شاباهار (راجع الخارطة المرفَقة).

هذه الإشارة من روحاني في زيارة هامة جدا قام بها إلى أوروبا الغربية بعد الاتفاق النووي تضيئ على بُعْدٍ استراتيجي لا يجري تداوله كفايةً في العالم العربي المنشغل والمتأمِّل والمُراجِع لوضع إيران ووضعه بعد هذا الاتفاق.

هذا البُعد يتمثَّل في موقع إيران الفعلي وغير المعلَن في الاستراتيجية الأميركية المركِّزة على شرق آسيا في ما يسمّه الخبراء الأميركيون “التحول الشرق آسيوي” للولايات المتحدة الأميركية بسبب انتقال الثقل الاقتصادي في العالم إلى منطقة المحيط الباسيفيكي ومحورُهُ الصعودُ الصيني على المستوى العالمي.

يحدث تفاعل سياسي كبير ما بين منطقتي الشرق الأقصى والشرق الأوسط ولم يتّضح بعد لأنه لا زال في طوره الأول. بلغة الجغرافيا الاقتصادية وهي صينية أكثر، والجغرافيا السياسية وهي شرق أوسطية أكثر، يتحول “رأس” الشرق الأوسط أكثر نحو آسيا بعد طول توجّه واستغراق نحو الغرب. ليس بسبب تراجع الاهتمام العربي بالغرب بل الأصح بسبب الاهتمام الغربي بالشرق الأقصى، الأمر الذي يفرض محاولة تكيُّف عربية مع هذا التحول الغربي قبل أي اعتبار آخر. فالغرب أيضا أصبح هناك في قلب ذلك الشرق القصي.

زار الرئيس الصيني مؤخرا ثلاث دول، اختيارُها بذاتها من بكين كبير الدلالة: السعودية ثم مصر ثم إيران حسب الترتيب الزمني لزيارته لها وإعلانه وإعلانها جميعا عن مشاريع واستثمارات ضخمة للصين فيها.

هل ستكشف المرحلة المقبلة كيف تُحضِّر إيران نفسها لدور “وسيط” ما اقتصادي وسياسي مع الصين؟ في ما يحب أن يسمّيه الخبراء “طريق الحرير الجديد”؟ وحيث يتقاطع هذا الشرق الأدنى مع القوتين الروسية العسكرية والصينية الاقتصادية؟

لا شك أن الآفاق التي يفتحها، بل فتحها، الاتفاق النووي السداسي بقيادة أميركية مع إيران تُوَلِّد فرصا بقدر ما تطرح تحديات على النظام الإيراني الديني. طبيعة الفرص والتحديات غير دينية إذا جاز التعبير. إنها المرحلة غير الأيديولوجية التي يدخلها الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي حتى لو كانت المشكلة الملحة لا تزال مع الشكل المتطرف من الإسلام السياسي الذاهب حتما إلى تراجع.

المسألة تحديداً هي كيف سيتعامل النظام الديني مع هذه المهمات الداخلية والخارجية الكبيرة وسط قوى اقتصادية عظمى تحيط به وتبدأ مسار تعزيز علاقاتها معه ويتمكّن في الوقت نفسه من الحفاظ على طبيعته الأيديولوجية؟

هذا جدل العقد أو العقدين المقبلين في إيران الداخل لكنْ كِلا الدولة والمجتمع أمام ثنائية الفرصة والخطر معا: الصين عبَرَتْ هذا الطريق ووجدت صيغة ناجحة حتى الآن بين التقدم والأيديولوجيا… فهل ستتمكّن إيران؟

الدولة الإيرانية وبالتداخل مع الصراع الداخلي بدأت مهمة إعادة دمج الاقتصاد الإيراني في العالم ( وبدأ العالمُ ذلك من جهته) ورحلة الرئيس روحاني إلى إيطاليا وفرنسا مرورا بالفاتيكان كاشفة جدا.

لقد نُسِبتْ إلى الصين استراتيجية “إِرْبحْ دون قتال” حسب توصيف الباحث الأميركي المختص بالعلاقات الأميركية الصينية آرون ل. فريدبرغ كاتب أحد أفضل الكتب عن التنافس الأميركي الصيني حول الصراع على آسيا (تسابق على السيطرة- 2011).

الصعود الإيراني لم يُثبِت أنه قادر على تطبيق هذه المعادلة لأنه متورط في الكثير من الحروب ولو بالوكالة. وبينما تواصل أميركا خروجها من التورط المباشر يحاول محيط إيران وأخصامها مواجهتها بدورهم عبر تطبيق الحروب بالوكالة نفسها.

عندما كان الشرق يعني بالنسبة لنا الإسلام فقط فإن دولا عديدة، إقليمية مؤثرة كتركيا ومصر، وصغيرة ثقافية كلبنان، كانت تحب أن تقول أنها صلة وصل بين الشرق والغرب.

اليوم ” الشرق” في القرن الحادي والعشرين الاقتصادي ليس الشرق المسلم بل هو الصين واليابان و”النمور” الآسيويّة. فهل يكون “الوسيط” المسلم بين الشرق الأوسط والشرق “الجديد” هو تركيا وإيران وإسرائيل وليس العرب؟ أم لدينا أقدار مختلفة لا توحي بها الظروف الحالية؟