الموفد الإيراني ينأى بنفسه عن الملف الرئاسي في لبنان
وحزب الله يُصعِّد داخلياً وإقليمياً ويشدّد على ربط المسارات
قد يستمر الحزب في حواره مع المستقبل بعيداً عن الملف الرئاسي وفق ما أشار إليه سرمدي بانتظار بلورة صورة التطورات في الخليج وفي العراق وسوريا
موجة التفاؤل التي عاشها بعض اللبنانيين بأن إيران ستفرج عن الملف الرئاسي بعد الاتفاق المبدئي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الخمس بدّدها نائب وزير الخارجية الإيراني مرتضي سرمدي الذي يزور لبنان حالياً ليستطلع أجواء المسؤولين اللبنانيين بشأن هذا الاتفاق بإعادة التأكيد لمن التقاهم مقولة أن إيران لا تتدخل في شؤون أي دولة، وتعتبر أن النُخب السياسية اللبنانية والتيارات والأحزاب بإمكانها أن تستولد الحلول والمخارج لكل المشكلات ومنها الرئاسية آملاً في أن تكون آليات الحوار خطوة مساعدة على بلوغ هذا الحل.
هذا الكلام للموفد الإيراني معناه أن إيران القابضة على الملف الرئاسي من خلال حزب الله ريثما تسوي كل الملفات العالقة ومنها الملف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، لم تصل بعد الى مرحلة التخلي عن الورقة اللبنانية ولا عن أي من أوراقها في الإقليم، ولا سيما الورقة اليمنية التي دخلت فيها إيران بمواجهة مكشوفة مع التحالف العربي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مرشحة لأن تستمر وقتاً طويلاً فضلاً عن أن إيران ما زالت حذرة بالنسبة الى مصير الاتفاق النهائي مع الدول الخمس زائداً واحداً والمقرر التوقيع عليها مبدئياً بعد ثلاثة أشهر، إضافة الى استمرار الخلاف كما أعلن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف مع الإدارة الأميركية حول دورها في المنطقة وحجم هذا الدور، وهل سيكون وفق ما تريده طهران، وما زالت تعمل على تحقيقه، أو كما تريده الولايات المتحدة الأميركية دوراً محدوداً لا يتعدى النفوذ المعنوي من ضمن سياسة الاحتواء التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية بشكل لم يعد سرياً.
وحتى الذين استمعوا مؤخراً إلى كلام السيّد حسن نصر الله للتلفزيون السوري، خرجوا بانطباع عام هو أن لا شيء تغيّر بالنسبة إلى طهران بعد الاتفاق – الإطار حول الملف النووي، إن على صعيد الطموح الإيراني في الإقليم أو على صعيد موقفها من الأزمة الرئاسية في لبنان التي تربطها بملفات المنطقة الممتدة من اليمن إلى العراق وسوريا التي تدير فيها طهران المعركة ضد الشعب السوري بصورة مباشرة، وما دام الوضع كذلك فلا يوجد أي إمكانية حتى الآن لكي يسهّل حزب الله عملية الاستحقاق الرئاسي في لبنان، بل سيتمسك ببقاء الشغور في هذا الموقع عالقاً على شماعة الأزمة السورية. وإلا ما معنى كلام السيّد حسن الى التلفزيون السوري عن النعمة الإلهية المتجلية بوجود بشار الأسد حاكماً لسوريا، سوى أنه تأكيد على ما هو مؤكّد بالنسبة الى استمرار ربط الأزمة الرئاسية بمسار الحرب التي يخوضها الحزب والحرس الثوري الإيراني في سوريا، وأيضاً في اليمن.
وفي مطلق الأحوال قد يستمر الحزب في حواره مع المستقبل بعيداً عن الملف الرئاسي وفق ما أشار إليه سرمدي، بانتظار بلورة صورة التطورات في الخليج وفي العراق وسوريا حيث الحروب تدور بقوة، وتلك هي كلمة السر التي يحملها سرمدي الى حزب الله الذي ما زال ممسكاً بورقة الاستحقاق الرئاسي، ويرفض التنازل عنها لمصلحة إخراج لبنان من حلبة الصراع التي تعيشها المنطقة منذ أكثر من خمس سنوات، بدليل التصعيد المستمر من جانب الحزب وأدواته ضد المملكة العربية السعودية ودول التعاون الخليجي، بسبب موقفها المساند للشرعية اليمنية، وإعلانها الحرب على ميليشيا الحوثي التي تمكنت بدعم إيراني من السيطرة على شمال اليمن واستمرارها في محاولة السيطرة على جنوبه، وأكبر مؤشر على استمرار الحزب في الربط بين الوضعين اللبناني والعربي الرسالة التي وجهها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى السيّد حسن نصر الله ودعوته إياه من دون أن يسميه للإبتعاد عن الانفعال وإطلاق المواقف التي تتناقض مع الحفاظ على الحوار ومع الشراكة الوطنية التي وحدها تحمي ما تبقى من لبنان الذي لا يحتمل المزيد من الانقسامات وإضافة نقاط خلافية جديدة إلى واقعنا السياسي. ورأى جنبلاط خطورة كبرى في تجاوز ربط المسارين بين لبنان وسوريا الى ربط المسارات كلها من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان الذي يستمر في دفع الأثمان دائماً لا سيما وأننا لم نسمع كلاماً من إيران الإسلامية نفسها حول قضايا تعنيها بمستوى وحجم الكلام الذي سمعناه في لبنان والذي في مكان ما قد يترك أثراً سلبياً كبيراً على الوضع الداخلي وعلى أوضاع اللبنانيين في دول الخليج عموماً وفي المملكة العربية السعودية خصوصاً.