Site icon IMLebanon

أوان خروج ايران من سوريا

 

مرت ثماني سنوات على ثورة الشعب السوري على نظام حرمه من الحد الأدنى من الكرامة ومن ممارسة حقوقه كشعب حرّ يمتلك ثروة بشرية فريدة من نوعها في الشرق الاوسط كلّه. لم يكن ينقص سوريا شيء كي تكون دولة مزدهرة لو قدّر لها ان تكون تحت حكم مدني بدل الدخول في لعبة الانظمة الأمنية التي اسّس لها جمال عبد الناصر. ليس معروفا الى يومنا هذا ما المنطق خلف الوحدة المصرية – السورية التي استمرت ثلاث سنوات (1958- 1961) والتي لم يكن من نتيجة لها غير قيام نظام مخابراتي في سوريا تزعّمه عبد الحميد السرّاج باشراف مباشر من عبد الحكيم عامر.

 

تُعتبر سوريا من ضحايا ناصر مثلها مثل العراق قبل ان يكمل حزب البعث، بكلّ تخلّفه، مهمّة القضاء على كلّ ما هو حضاري في هذين البلدين اللذين يصعب ان تقوم لهما قيامة في يوم من الايّام.

 

بعد ثماني سنوات على الثورة الشعبية التي اندلعت في مثل هذه الايّام من العام 2011، بات واضحا ان العالم كلّه تآمر على السوريين، بما في ذلك الإدارة الاميركية في عهد باراك أوباما التي كان همّها الاوّل والأخير استرضاء ايران. لم يكن لدى تلك الإدارة من هدف سوى التوصّل الى اتفاق مع ايران في شأن ملفّها النووي. شكّل هذا الملفّ أساسا للسياسة الخارجية الاميركية في المنطقة، طوال سنوات، فيما اعتبر باراك أوباما ملايين السوريين الذين ثاروا على الظلم مجرّد تفصيل.

 

مرّت الثورة السورية منذ اندلاعها في آذار – مارس 2011  بمراحل عدّة. من ثورة سلمية، الى ثورة مسلّحة، الى دخول «داعش» على الخط بتواطؤ بين هذا التنظيم الإرهابي من جهة وكلّ من النظامين السوري والإيراني من جهة أخرى، الى التدخّل الروسي المباشر ابتداء من أواخر أيلول – سبتمبر 2015. لكنّ الثابت الوحيد في السنوات الثماني هو الدور الايراني المرتبط بشخص بشّار الأسد، وهو دور يبقى افضل تعبير عنه التورّط المباشر لميليشيا «حزب الله» ذات العناصر اللبنانية في الحرب على الشعب السوري.

 

ليس معروفا الى الآن، لماذا كلّ هذا الإصرار الايراني على إيجاد موطئ قدم في سوريا ولماذا الاستثمار في مشروع من هذا النوع معروف منذ الآن انّ مصيره الفشل. هل تعتقد ايران ان الإنجاز الاهمّ للثورة التي أطاحت الشاه في العام 1979 هو قيام «حزب الله» في لبنان وحلوله في مرحلة معيّنة مكان التنظيمات الفلسطينية التي انتهى دورها في 1982؟ هل تعتبر ان خروجها من سوريا سيؤثر على مستقبل «حزب الله» في لبنان؟

 

لا شكّ ان «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني يشكّل إنجازا إيرانيا كبيرا، بل استثنائيا. فايران تستعين بالحزب في لبنان وخارج لبنان. انّه أداة أساسية من ادواتها في المنطقة. له استخداماته في سوريا والعراق، كما لديه نشاطه في اليمن وحتّى في البحرين. وهذا ليس سرّا.

 

لا حاجة الى التوسّع في دور «حزب الله» خارج لبنان، بما في ذلك في افريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا والخليج العربي. كلّ ما يمكن قوله في هذا المجال انّ «حزب الله» لعب دورا أساسيا في ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري والامني السوري من لبنان في العام 2005  بعد اغتيال رفيق الحريري في عملية بات معروفا من حضّر لها ومن نفّذها ومن غطّاها. فبعد صدور القرار الاتهامي في الجريمة عن المدعي العام في المحكمة الدولية في لاهاي، لم تعد هناك اسرار. صار كلّ شيء واضحا. ما هو واضح اكثر اللزوم تلك الشراكة بين النظامين السوري والإيراني في شأن كلّ ما يدور في المنطقة، من المحيط الى الخليج. هذا ما يفسّر الى حدّ كبير تلك العلاقة العضوية القائمة بين كلّ من «الحرس الثوري» الايراني وبشّار الأسد وتلك العلاقة الخاصة بين رئيس النظام السوري و»حزب الله».

 

الثابت الوحيد في السنوات الثماني الماضية هو الدور الايراني في سوريا. الثابت أيضا ان جديد سوريا، عندما تدخل ثورة شعبها سنتها التاسعة، هو مستقبل هذا الدور بعدما تبيّن ان هناك تمييزا بين نظرتي ايران وروسيا الى بشّار الأسد ومستقبله. ففي حين، تعتبر ايران ان مستقبلها في سوريا مرتبط بشخص معيّن، ترى روسيا انّ في استطاعتها الرهان على سوريا ككلّ وعلى ما بقي من مؤسسات الدولة فيها، خصوصا الجيش.

 

تدرك روسيا ان لا مستقبل لبشّار الأسد ونظامه. هذا ما يفسّر الى حدّ ما إصرار موسكو على دستور جديد وعلى امكان إيجاد تفاهم مع الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل وتركيا على خطوط عريضة لمرحلة ما بعد بشّار الأسد. الأكيد انّ رئيس النظام السوري بدأ يستوعب انّ ايّامه في دمشق معدودة وانّ لا مستقبل سياسيا له. لو لم يكن الامر كذلك، لما ذهب أخيرا الى طهران من خلف ظهر موسكو ولما وقّع تلك الاتفاقات مع الايرانيين وشركاتهم في شأن إعادة اعمار سوريا. لا بدّ ان يكون المرء يعيش في عالم آخر حتّى يظنّ في أي لحظة ان ايران، التي تعاني من عقوبات أميركية، ستكون قادرة على المشاركة في إعادة اعمار سوريا. لنفترض ان هناك برنامجا لاعادة اعمار سوريا بكلفة يمكن ان تصل الى نحو خمسمئة مليار دولار. من اين سيأتي المال، ثمّ هل هناك من هو مستعد لصرف أموال في سوريا من اجل ان تتولّى شركات إيرانية إعادة الاعمار؟ من هو الغبي المستعد لصرف مليارات الدولارات في سوريا كي تستفيد شركات إيرانية تابعة في معظمها لـ»الحرس الثوري»؟

 

يقول المنطق ان السنة التاسعة من الثورة السورية هي سنة خروج ايران من سوريا. لا مستقبل لإيران في سوريا. في نهاية المطاف، هناك كره شعبي سوري للوجود الايراني الذي هو وجود مذهبي مخالف للطبيعة والمنطق قبل ايّ شيء آخر. بكلام أوضح، مهما فعلت ايران وميليشاتها، ومهما فعل «حزب الله»، هناك أكثرية سنّية في سوريا. هذا هو الواقع الذي لم تستطع ايران تغييره على الرغم من كلّ عمليات التطهير ذات الطابع المذهبي التي قامت بها. ايران ليست مقبولة في العراق حيث هناك أكثرية شيعية، فكيف يمكن ان تكون مقبولة في سوريا حيث الأكثرية سنّية؟

 

هل تستطيع ايران عقد صفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن وجودها في سوريا؟ الجواب ان هذا الامر مستحيل، الّا اذا رضخت ايران لكلّ الشروط الاميركية التي حددتها الإدارة وهي 12  شرطا. من يستطيع عقد مثل هذه الصفقة مع اميركا واسرائيل هو روسيا التي لا تزال تبحث عمّن يشتري منها الورقة السورية. هل من هدف آخر للجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف في دول الخليج العربي غير التسويق لصفقة محورها سوريا، على ان تشمل هذه الصفقة الدول العربية الفاعلة ايضا؟