أخيراً، بدأ العالم يسمع كلاماً حقيقيًّا عن الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب. لكنه ما زال كلاماً ناقصاً في مضمونه وتوجهاته. الاستمرار في هذا المنطق وهذا المنهج يبشر بخسارة الحرب. الفصل بين العراق وسوريا، وعدم التعامل مع «داعش» جسماً واحداً، يؤسس لحرب فاشلة، كما حصل منذ 11 أيلول 2011 حتى الآن.
الحرب ضد «داعش«، طرحت خلال مؤتمر باريس مشكلة أساسية وهي سوريا. الجميع بما فيهم إيران متفقون على الحرب ضد «داعش» بكل الوسائل العسكرية في العراق. أما سوريا فالمسألة مختلفة. الولايات المتحدة الأميركية تركت سوريا لروسيا وإيران على قاعدة أنهما كلما غطستا في الحرب كلما استنزفتا طاقتهما وقدراتهما، ما يسهل فرض الشروط عليهما. لم تنجح هذه المعادلة حتى الآن. لأن بشار الأسد عرف كيف يدفع الثورة أولاً نحو «العسكرة« وكيف يغذي التطرف، عبر زرع الحقد لدى شرائح واسعة من الشعب السوري، وأخيراً في رفد التنظيمات الإرهابية سواء كانت «النصرة« أو «داعش» بكل أسباب الحياة والقوة ومنها اطلاق سراح السجناء من الإرهابيين والأصوليين وترك القطاعات التي يتواجدون فيها بسلام ومن دون براميل متفجرة.
المعضلة الآن في كيفية مواجهة الولايات المتحدة الأميركية «داعش« في سوريا دون الانزلاق نحو المواجهة مع إيران وروسيا؟
الرئيس باراك أوباما، شرب أخيراً «حليب السباع»، ورد على التهديدات السورية بأنه «سيدمر الدفاعات الجوية السورية عن آخرها». السؤال كيف ومتى؟
روسيا، غارقة الآن في أوكرانيا. تحولت أوكرانيا «الحديقة الخلفية لروسيا تاريخياً«، الى مستنقع جليدي، من الصعب التخلي عنه وفي الوقت نفسه من المستحيل الانتصار فيه لأن ذلك يتطلب حرباً لا تريدها سواء عسكرية مع «الناتو» أو اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، واذا كان الأوروبيون بحاجة للغاز الروسي، فإن روسيا بحاجة لليورو الأوروبي!
تبقى إيران. طهران وواشنطن تنكران أي تعاون أو حتى توجه للتعاون بينهما. «واشنطن لا تريد أي تنسيق عسكري مع إيران في سوريا»، لأن ذلك يتطلب مفاوضات حول مستقبل الأسد، هذا التفاوض يفتح مساراً على المفاوضات النووية، ما يخلط الأوراق والعروض والحصص المتبادلة.
إيران تقول انها تتخوف من تحويل الحرب ضد الإرهاب في بغداد ودمشق الى «باكستان« ثانية، ما يضع إيران في قلب «كماشة» من الصعب التملّص منها فكيف بالتخلص من مفاعيلها. في الوقت نفسه تعرف طهران جيداً أنها خسرت معركة كبرى في العراق، وأن كل ما تفعله لملمة خسائرها، بحيث لا تصبح كارثية.
الأميركيون عادوا الى العراق بالتنسيق مع الايرانيين وبطلب مباشر من العراقيين. «شراهة» إيران «وطمعها» بالعراق الذي وإن «تلبنن» فإنه أكبر من لبنان في كل شيء. كرّرت إيران في العراق، ما قامت به سوريا في لبنان، فوقعت الكارثة. كان يمكن لطهران أن تقبل العروض الأميركية، فرفضت حتى أي تواجد عسكري أميركي بسيط. أرادت الانفراد. وها هي الآن تقبل على مضض بالشراكة الراجحة لمصلحة الأميركي.
طهران، تريد المحافظة على ما تبقى لها من نفوذ في بغداد، بعد خسارتها السنّة وجزءاً أساسياً من نفوذها لدى الأكراد بعد أن وضعوا أنفسهم تحت «المظلة» الأميركية.
السؤال الكبير الذي تواجهه طهران: ما العمل حتى لا تخسر دمشق التي ستطالها الحرب الدولية ضد الإرهاب، وسيتم عاجلاً أو آجلاً بحث مستقبل الأسد؟ طهران بالتأكيد لا تقبل بأن تكون خارج دائرة البحث حتى لا تخرج نهائياً من سوريا، التي استثمرت فيها سياسياً ومالياً وعسكرياً، وللحصول على ضمانات صلبة لمستقبل «حزب الله» «الابن الشرعي والوحيد» لها.
الخيارات أمام طهران قليلة وضيّقة. مهما تمنّعت طهران فإنها تفاوض للحفاظ على مصالحها القومية. بين المحافظة على موقع لها في مستقبل سوريا و»حزب الله»، وبقاء الأسد الى الأبد، تعرف طهران كيف ومتى تختار مصلحتها القومية، وكيف تدفع الثمن حتى ولو كان على حساب الأسد.