Site icon IMLebanon

إيران تعتدل أو «تحترق»!

هل وصلت «النار» الى داخل «البيت» الإيراني؟ 

قبل أيام شدّدت إيران على لسان العديد من مسؤوليها، من بينهم علي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي، على «تميز إيران بأمنها المستتبّ الى درجة أن المسؤولين الأوروبيين قد أبدوا إعجابهم مباشرة وسألوا نظراءهم: كيف نجحوا في ذلك حيث فشلوا، رغم كل ما يملكون من قوى وتقنيات متقدمة»؟

فجأة وخارج سياق هذا الكلام المطمئن عن «النعيم» الإيراني وسط «جحيم» المنطقة، تقدم ثمانية وأربعون نائباً من مجلس الشورى الجديد «بتنبيه خطي الى رئيس الجمهورية ووزراء الدفاع والداخلية والأمن والخارجية طالبوا فيه بالإسراع في التصدي قانونياً لإقليم كردستان العراق للحدّ من تسلل الإرهابيين الى داخل الأراضي الإيرانية». بعيداً عن التعلق «بالحل« القانوني الذي يستبعد حكماً الحل العسكري، أعلنت وزارة الأمن الايرانية أمس الاثنين في بيان «إحباط واحدة من أكبر المؤامرات الإرهابية للجماعات التكفيرية»… أضاف البيان «تم القبض على الارهابيين الذين خططوا لضرب مراكز عديدة في البلاد وتمت مصادرة عدد من القنابل الجاهزة للانفجار وكميات كبيرة من المواد المتفجرة».

في هذين الاعلانين، تأكيد فتح «البيت» الايراني على جبهتين، كل واحدة منهما أخطر من الثانية: 

[ الجبهة الأولى مع الأكراد عبر كردستان العراق. ترجمة ذلك أن الأكراد الإيرانيين بدأوا بالتحرك الخطير بما استوجب المواجهة علناً، علماً أن اصطدامات عديدة كانت تقع ولا يذاع عنها. وكان أكراد إيران السبّاقين في دعوات الانفصال عام 1946 مع إعلان «جمهورية جهاباد» التي وئدت بسرعة. الخطر في هذا الاعلان أن «الفيروس» الكردي الاستقلالي قد انتشر ولا يمكن رده ولا ردعه إلا بالقوة المسلحة، مما يعني انخراط ايران في «حرب جديدة» شاءت أم أبت الى جانب تركيا، خصوصاً أن قيام «دولة كردستان الكبرى»، يعني «بتر» أعضاء أساسية من الدولتين الاقليميتين ولا شك في أن لهذا الانخراط ترددات استراتيجية ومستقبلية على كل الصراعات والتحالفات انطلاقاً من سوريا التي يشار إليها بأنها نقطة التقاطع في مشروع إلغاء سايكس بيكو ورسم خريطة جديدة للمنطقة دولاً وشعوباً.

[ الجبهة الثانية انزلاق إيران في المواجهة الكبرى مع الإرهاب «الداعشي» داخلياً قبل أن يكون خارجياً. الانخراط المذهبي والعسكري لإيران في الحرب العراقية والسورية وسياسياً في لبنان، أنتج خطوة خطوة اقتحام هذا الارهاب للداخل الايراني. محاربة هذا الارهاب والنجاح فيها، لا يمكن أن تتم من دون الخروج الايراني من «مذهبة» سياستها التي عزلتها عن محيطها الاقليمي خصوصاً العربي منه.

ربما تكون احدى الخطوات التي قد تفتح مساراً تصالحياً لإيران مع محيطها العربي، هي في ابعاد المتشددين عن مواقع القرار، كما حصل مع إبعاد حسين أمير اللهيان وجه «الحرس الثوري» عن وزارة الخارجية، وتعيين بديل منه يدين بصعوده الى وزيره جواد ظريف والى اعتداله الموجه نحو علاقات ايجابية بمحيطه الجغرافي العربي، واكتمال ذلك بتعيين جابري أنصاري المعروف بنهجه الداعي الى تقارب مع الدول العربية.

لا يمكن فصل نجاح الوزير جواد ظريف في إبعاد اللهيان عن موقعه، عن مسار جديد تحاول قوى الاعتدال الايرانية ادخال ايران فيه بعيداً من لغة «الشيطان الأكبر». لكن مهما قيل عن هذا «النجاح، فإن أمام قوى الاعتدال والاصلاح في ايران مسافة طويلة للوصول الى خط النهاية، الذي يعني اخراج ايران من سياسة «تصدير الثورة»، والموت للشيطان الأكبر». لذلك فان امام هذه القوى معارك يومية ترجمة النجاح فيها تكون في انتخاب حسن روحاني لولاية رئاسية ثانية، وايضاً انتخاب مرشد يضع نقطة نهاية للسياسة الخامنئية عندما تدق ساعة الخلافة مهما كانت اسبابها. 

في هذه الاثناء، تبدو سوريا في قلب الاحداث التي تعانيها ايران، بعيداً من شقها الكردي. المعارك الاخيرة اكدت ان التنسيق الروسي الاميركي الاسرائيلي، يتجاوز بكثير «الشراكة» الايرانية الروسية. ولذلك تقع الخلافات المكتومة وتتسارع اللقاءات والاجتماعات لتقويم الاوضاع وتجنب الاتهامات المتبادلة عن «الغدر المنظم«، او «الاهمال المتعمّد». من ذلك الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والايراني والسوري في طهران، ومن ثم زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر الى سوريا موفداً من الرئيس فلاديمير بوتين، حيث جرى الحديث مع الرئيس بشار الاسد عن «الجاهزية القتالية للجيش السوري وما يحتاج اليه لزيادة قوته وقدراته». ويبدو كما تجسده المواجهات العسكرية عن تنامي ضعف القوات العسكرية الى درجة انها تنسحب من مواقعها التي تتسلمها من القوات الايرانية المدعمة بالميليشيات الشيعية قبل حلول الظلام عليها. الاسوأ من ذلك ومهما جرى نفي وقوع صدامات بين عناصر «حزب الله» والجيش السوري، فان الكلام السوري غير الرسمي بأن «البوط السوري هو الذي يقرر» يؤكد الخلافات.

خلال الاشهر المقبلة ستتكثف المعارك ويزداد عدد الضحايا، من جهة، والنشاط السياسي لفتح «ثغرات» تمهد لتسجيل «الاهداف» لمصلحة مسارات الحلول السياسية لاحقاً. لذلك يجب اخذ كل هذه الجولات السياسية مثل زيارة جواد ظريف لباريس زيارة دولة ومن ثم وزير الخارجية الفرنسي ايرولت الى بيروت بالاهتمام، لأن الحوار المباشر يصيغ التفهّم ومن ثم ولو متأخراً التفاهم.