IMLebanon

إيران والنظام الإقليمي الجديد

“تسعى القيادة الإيرانية الى تشكيل نظام إقليمي جديد تضطلع فيه بدور رئيسي وتراهن من أجل تحقيق هذا الهدف على ثلاثة عوامل أساسية هي: أولاً – ان إيران تملك أوراقاً مهمة وحلفاء أقوياء في ساحات إقليمية أساسية أبرزها العراق وسوريا ولبنان واليمن مما يمنحها نفوذاً مؤثراً خصوصاً ان هذه الساحات تشكل محركاً قوياً للأحداث في المنطقة. ثانياً – ان العلاقات بين إيران والغرب بقيادة أميركا انتقلت من مرحلة القطيعة والمواجهة الى مرحلة الحوار والتشاور والسعي الى محاولة عقد صفقة تاريخية كبرى إذا نجحت المفاوضات في إنجاز الإتفاق الإيراني – الدولي النهائي على البرنامج النووي الإيراني وهو التطور الذي يفتح واسعة أبواب التعاون والتفاهم بين الجمهورية الإسلامية والدول الغربية في مجالات حيوية عدة. ثالثاً – ترى إيران ان النظام الإقليمي السابق الذي نجح في محاصرتها وإضعافها وتقليص نفوذها بعد خروجها من الحرب مع العراق منهكة ومنكفئة على ذاتها وبعد اتساع نفوذ أميركا وحلفائها إثر تحرير الكويت – هذا النظام تصدع في السنوات الأخيرة بعد ثورات الربيع العربي والهزات الداخلية في دول عربية عدة. وترافق ذلك مع تغييرات مهمة في استراتيجية أميركا حيال الشرق الأوسط أبرزها الإهتمام بالحوار مع إيران والامتناع عن شن حروب وعن التدخل عسكرياً على نطاق واسع من أجل الحفاظ على موازين القوى الإقليمية السابقة. وعلى أساس هذه الحسابات يرى صانعو القرار في طهران ان المرحلة الراهنة هي مرحلة إيران وان من الضروري اغتنام هذه الفرصة التاريخية من أجل العمل على تشكيل نظام إقليمي جديد يحقق مكاسب استراتيجية للجمهورية الإسلامية”.

هذا ما أدلى به إلينا مسؤول أوروبي بارز معني بشؤون الشرق الأوسط وعلى اتصال بالمسؤولين الإيرانيين. لكن هذا المسؤول أوضح ان القيادة الإيرانية تصطدم بعقبات وتحديات جدية تمنعها من إنجاز هدفها وتجعل مسعاها مجرد طموح سياسي غير قابل للتحقيق، وهذا مرده الى العوامل الأساسية الآتية:

أولاً – إن حلفاءها ليسوا قادرين على أن يحققوا بقدراتهم وإمكاناتهم الذاتية مكاسب حقيقية ملموسة تبدل الأوضاع جذرياً لمصلحة النظام الإيراني في الدول التي ينشطون فيها. ففي لبنان “حزب الله” قوي لكنه عاجز عن أن يحكم البلد مع حلفائه وعاجز عن تغيير النظام لمصلحته ومصلحة حلفائه بل إنه عاجز عن ضمان انتخاب رئيس الجمهورية الذي يريد، وهو مضطر الى التعاون مع خصومه وتقديم تنازلات من أجل إدارة شؤون البلد. وفي العراق فشل حلفاء إيران وعلى رأسهم نوري المالكي في قيادة البلد وفرض مشروعهم على العراقيين بل ان أخطاءهم وتشددهم سهلت انتشار تنظيم “داعش” وسيطرة عناصره على مناطق واسعة فاضطروا الى التعاون مع خصومهم المحليين وتقاسم السلطة مع السنة العرب والأكراد والاستعانة بأميركا من أجل محاولة إنقاذ البلد من التفكك والإنهيار. وفي اليمن يواجه الحوثيون حلفاء إيران تحالفات وقوى عدة معادية لهم على أساس قبلي أو ديني أو سياسي تمنعهم من أن يحكموا البلد وحدهم وتضعهم أمام أحد خيارين: إما تقاسم السلطة مع الآخرين وإما تفجير حرب أهلية. وفي سوريا يبدو واضحاً عجز إيران عن حماية النظام من السقوط بل ان مشاركتها في الحرب ألحقت الكوارث بهذا البلد وبشعبه. والقاسم المشترك بين هذه الساحات ان إيران عاجزة مع حلفائها عن إنجاز الأمن والإستقرار والسلام فيها وعن تحقيق مكاسب حقيقية لها وعن قطف ثمار تدخلاتها.

ثانياً – لن تستطيع القيادة الإيرانية أن تنجز في مفاوضاتها مع أميركا والدول الكبرى الأخرى إتفاقاً نووياً يحقق أهدافها الاستراتيجية لأن هذه الدول لن تسمح لها بأن تحتفظ ببرنامجها النووي المتطور بتركيبته وطبيعته الراهنة بل تريد تجريد هذا البرنامج من مكوناته وعناصره الأساسية التي يمكن أن تسمح للإيرانيين بإنتاج السلاح النووي لاحقاً. فالدول الست الكبرى تتمسك بفرض شروطها القاسية على إيران في مقابل توقيع الإتفاق النووي النهائي معها الأمر الذي يضعفها ويقلص دورها الإقليمي في حال قبولها الشروط.

ثالثاً – ترفض الدول العربية والإقليمية البارزة والمؤثرة مع حلفائها الغربيين إنجاز تفاهمات مع إيران تتعلق بالقضايا الإقليمية الأساسية الساخنة إستناداً الى شروط طهران، من جهة لأن الإيرانيين وحلفاءهم ليسوا منتصرين في العراق وسوريا ولبنان واليمن بل إنهم يواجهون مصاعب ونكسات، ومن جهة ثانية لأن المطالب والطموحات الإيرانية تتناقض جذرياً مع مصالح الدول العربية المعتدلة وحلفائها ومع متطلبات الأمن والاستقرار في المنطقة عموماً.

وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “ان إيران ليست قادرة على فرض تشكيل نظام إقليمي جديد بقيادتها بل ان هذا المشروع أكبر من إمكاناتها إذ انه يصطدم بحقائق ووقائع أساسية صلبة وراسخة تمنع تحقيقه فعلاً”.