IMLebanon

صراع على مفتاح لجمهورية ضائعة

 

 

ثلاثة يلعبون على المسرح اللبناني المأزوم، وسط اللاعبين الخارجيين: المراهنون على تطورات إقليمية دراماتيكية تعطي دفعاً لأدوارهم. الحالمون بتحولات داخلية تؤدي الى تغيير سلطة المافيا المتسلطة. والمتصارعون داخل عائلات المافيا على الصلاحيات التي لا تقدم ولا تؤخر لأن القرار في يد “العراب”. لكن ما يتحرك في الشرق الأوسط لم يصل الى مرحلة الخروج من ستاتيكو الأزمات والحروب الى التحولات الكبيرة. لا في حروب سوريا واليمن، لا في صراعات العراق، ولا في الصراع العربي – الإسرائيلي، ولا في الصراع العربي – الإيراني.

 

ذلك أن الموضوع الملح على جداول الأعمال الدولية والإقليمية كان ولا يزال برنامج إيران النووي والصاروخي ونفوذها الإقليمي. فعلى مدى أربع سنوات من رئاسة ترامب راهن خصوم طهران على “الضغط الأقصى” الأميركي لإنهاء المد الإيراني في الإقليم. لكن أي تغيير دراماتيكي لم يحدث. واليوم يراهن وكلاء إيران على عودة أميركا الى الإتفاق النووي والتسليم بنفوذ الملالي في العواصم الأربع التي يفاخرون بأنهم يحكمونها: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء. لكن هذا رهان خيالي ولو عادت إدارة الرئيس بايدن الى الإتفاق النووي، لأن التوقعات هي حدوث العكس.

 

وما يدور حوله لبنان، في مثل هذا الوضع، هو لعبة متوقفة: رئيس مكلف يبدو في حال إعتذار، وإن لم يعتذر. رئيس جمهورية ينتظر الإعتذار من دون أن يضمن ما بعده، ويبدو في نهاية العهد، وإن تصرف كأنه في البداية. ومجلس نيابي منزوع الدور بحجة الميثاقية وأمور أخرى، مع أنه “الأب الشرعي” لكل المؤسسات والتي تتحلل واحدة بعد أخرى تحت ركام الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية، من دون أن يخرج من نمط العمل الروتيني للعمل الى حسم المواقف.

 

أكثر من ذلك، فإن ما يتكرر في لبنان هو الحكاية الشعبية المصرية الشهيرة: “ضاع الصندوق يا محمد، بس المفتاح معايا”. ودائع اللبنانيين ضاعت في صناديق المصارف ومزاريب السلطة، لكن الأرقام موجودة على الورق وشاشات الكومبيوتر. الجمهورية ضاعت في زحام الأحداث، لكن المفتاح لا يزال مع الرئيس ميشال عون الذي يريد توريثه لصهره، والزعامات المارونية تتصارع على المفتاح من دون الإلتفات الى أن صندوق الجمهورية صار في الضاحية الجنوبية. و”البلد – الرسالة” صار الجبهة الأمامية لمحور: “الممانعة والمقاومة” لكن التغني به لم يتوقف. والمحاولة الأخيرة لإنقاذه بعد العجز الداخلي والخارجي عن التأثير في الذين يعطلون تأليف الحكومة، كانت صلاة في الفاتيكان وأملاً في تحريك ديبلوماسيته. والكل يعرف أنه لا قوة على الأرض تستطيع إنقاذ شعب منقسم يدفعه زعماؤه الى الإنتحار.

 

من بِدع وزير الدفاع الأميركي الراحل مؤخراً دونالد رامسفيلد قوله: “غياب البرهان ليس برهاناً غائباً”. ومن الوهم أن يقال على طريقته: غياب الأموال والجمهورية ليس أموالاً وجمهورية ضائعة.