عمدت قوى الأمن السرّية الإسرائيليّة الى إغتيال ضابط في «الحرس الثوري الايراني» هو حسن حياد خدائي. ويأتي ذلك في سياق سلسلة من الاغتيالات تناولت نخبة من كبار المسؤولين العسكريين في الادارة الايرانيّة، بشكل خاص في قطاع البرنامج النووي الايراني: من مسعود علي محمدي الى مجيد شهرياري الى داريوش رضائي نجاد، الى مصطفى أحمدي روشن. وكانت عمليات القتل تتمّ بتفجير قنابل تحت سياراتهم أو باطلاق النار عليهم من مسلحين يستقلّون دراجة ناريّة. يضاف الى ذلك ما قامت به الإدارة الأميركية زمن الرئيس ترامب باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الايراني» في اثناء مروره في بغداد (2020) بواسطة طائرة مسيّرة.
جميع هذه الأمور تتمّ وفق خطّة وضعتها اسرائيل لمنع ايران من أن تكون لديها القدرة على انتاج سلاح نووي. ولذا كانت، ولا زالت، تلاحق العلماء الايرانيين المعنيين بشؤون البرنامج النووي الايراني، وتغتالهم إذا أمكنها ذلك. لكن ايران اليوم لم تعد كايران الأمس. فهي تقود مفاوضات مع دول الغرب حول برنامجها النووي، كما تخوض صراعاً داخل العالم الاسلامي على رأس الحركة الشيعيّة التي قادها الإمام الخميني. كما تقوم بدور الدولة الاقليميّة التي لها دور وأهداف وتأثيرات على دول المشرق العربي. بالاضافة الى استمرارها في العمل السريّ لامتلاك أسلحة نوويّة!
أولاً: ايران النوويّة
1- أدرك قادة الثورة الايرانيّة، منذ البداية، ان المواجهة مع قوى كبرى كاسرائيل لا يمكن ان تتمّ إلا بفعل الحصول على أسلحة متطوّرة وتحديداً السلاح النووي. لذا شرعوا منذ بداية الثورة، في ستينات القرن الماضي، في العمل لامتلاك مقومات هذا السلاح. وبالمقابل كانت اسرائيل تتابع هذا الجهد وتدرك مدى أهميّته وخطورته عليها، وكان الغرب يدرك معنى الخشية الاسرائيلية. ولهذا السبب كان الاتفاق الذي تمَّ عام 2015 بين ايران ومجموعة الدول، وأهم ما فيه تحديد القدرة النووية لايران عند حد معيّن لا تكون معه قادرة على العمل لانتاج سلاح نووي.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015 زمن الرئيس ترامب وجدت ايران نفسها في وضع أكثر تحرراً للتصرّف والعمل في المجال النووي. وهكذا عملت على تخطي مختلف السقوف التي كانت قد وضعتها لها الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، من ذلك:
ان مخزون الاورانيوم المخصّب المسموح به لايران بموجب اتفاق 2015 قد زاد بأكثر من 18 مرة.
كما أمّنت ايران مخزونها من المواد المخصّبة بنسبة 20% أي من 182 كيلوغراماً الى 238 كيلوغراماً.
وتمتلك ايران 43 كيلوغراماً من الاورانيوم المخصّب بنسبة 60% وهي عتبة قريبة من 90% لتصبح قنبلة ذريّة. تراجعت ايران عن إلتزاماتها بموجب الاتفاق بعد انسحاب اميركا منه وصارت هناك علامات استفهام حول دقّة وصحة معلوماتها الى وكالة الطاقة الذريّة الدوليّة، ومن ذلك عثور الوكالة على آثار اليورانيوم المخصّب التي عثر عليها في 3 أماكن غير معلنة.
3- في سياق إستراتيجيتها لتأكيد دورها وحضورها وتأثيرها داخل المجموعة الاسلامية أولاً، والعالميّة ثانيًا، وجدت ايران ان أفضل سلاح يساعدها على تأكيد هذا الدور هو الطائرات المسيّرة، لذا عمدت الى تطوير تكنولوجيا صناعة وتطوير ونقل ونشر المسيّرات في دول المنطقة. وجعلت منها مؤشراً على تدخّلها في السعودية واليمن… في الطريق الى اسرائيل. وبالمقابل اعتمدت ايران خيارين لتأكيد قوَّتها، بل تفوّقها كدولة اسلاميّة وهما:
قوة الدفاع عن رمز المسلمين والاسلام: القضية الفلسطينية، كل ذلك لاخفاء عقدة النقص الديمغرافية لديها ذلك انها وكل الشيعة في العالم لا يشكّلون سوى 15% من مسلمي العالم في حين ان أهل السنّة يشكلون نسبة 85% من مسلمي العالم.
ثانيًا: اسرائيل النوويّة:
من المعروف لدى مختلف مراكز الأبحاث الاستراتيجيّة ان اسرائيل دولة نووية ويقدّر رصيدها النووي في حدود 250 قنبلة نوويّة، وهي بذلك تعتبر خامس أقوى قوّة نوويّة في العالم. وطبقاً لما يقوله ويراه كبار علماء الجيو- بوليتيك والاستراتيجيات، فإنّ دولة كهذه، أي اسرائيل، وتعتبر دولة – حاجز بين مصر وسوريا وعدد سكانها محدود جداً- ومساحتها الأرضية ضيقة جداً، لذا عليها ان تعتمد وسيلة فاعلة وحاسمة لمنع أي شكل من أشكال تدميرها على يد جيرانها. وهذه الوسيلة هي بالضبط امتلاك واستخدام سلاح الدّمار الشامل لدى أية محاولة للاعتداء عليها. وإذا لم يكن كذلك اعتماد خيار الحياد الدولي.
2- تدرك الولايات المتحدة، وغيرها من المراجع الدولية، معنى شعار الثورة الايرانيّة الداعي الى محو اسرائيل عن خريطة العالم. ولكن أميركا تتبصّر أكثر من اسرائيل في كيفيّة طريقة الرد المناسبة على الممارسات الايرانية، فاسرائيل، كما هو معروف، تشكّل جزءاً من الأمن القومي الأميركي لأسباب دينية وايديولوجيّة وجيو – استراتيجية، ولكن واشنطن تعمل على جعل الرد الاسرائيلي على ايران مبرّراً وليس فورياً. عند هذه النقطة بالذات تجري المفاوضات السريّة بين واشنطن وتل أبيب حول طبيعة وزمان وفعاليّة الرد الاسرائيلي على ممارسات ايران. وفي حين تتمسّك اسرائيل بخيارها الاستراتيجي التاريخي أي: بضرب وتدمير أية محاولة لانتاج سلاح نووي في دولة لا تعترف باسرائيل، كما هو حال ايران، تحاول الولايات المتحدة أن تدرس الوضع الاقليمي والدولي المناسب لمثل هذه العمليّة في الزمان والمكان.
في عنق الزجاجة هذا يرسو اتفاق 2015 في مفاوضات فيينا الجارية بين ايران والدول الموقّعة عليه. ذلك ان الدول الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تستطيع ان تتساهل في موضوع حيوي ومصيري يتناول قدرات ايران النوويّة. ومهما كانت قدرات ايران النووية زائدة ومتجهة الى التكامل مع القدرة على انتاج سلاح نووي، فإنّ أميركا تدرك ان اسرائيل لن تنتظرها لكي توافق على ضرب ايران بالسلاح النووي لتدمير مختلف مؤسساتها النووية ولا سيما قاعدة «ناتنز» الشهيرة.
ولذا، ستقوم اسرائيل باجراء التدريبات الجويّة على ضرب ايران نوويّاً.
وهكذا يصبح العالم لأوّل مرة في القرن الحادي والعشرين أمام حرب الدّمار الشامل.
فهل تتغلّب الحكمة والعقل لدى الجميع؟
أم نكون عشية هيروشيما جديدة؟