سمعنا بالأمس صوت وزارة الخارجية اللبنانية مع إعلان خمسة وثلاثين دولة في بيانٍ مشترك عن تشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية مقرّه الرياض، إذ سارعت الوزارة إلى إصدار بيان تؤكّد فيه أنها «لم تكن على علم لا من قريب ولا من بعيد بموضوع إنشاء تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب (…) وأن ما حصل يمسّ بموقع لبنان المميّز لجهة التوصيف المعطى لمحاربة الارهاب والتصنيف المعتمد للمنظمات الارهابية، كما يمسّ بصلاحيات الوزارة بصفتها موقعاً دستورياً قائماً في موضوع السياسة الخارجية»!!
بيان الخارجيّة اللبنانيّة مربكٌ وقلق لتوصيف حزب الله بالحزب الإرهابي في كثير من الدول العربية خصوصاً الخليجيّة منها،ولكن نفس هذه الوزارة لم نسمع صوتها ولم يصدر عنها بيانٌ يوم الجمعة الماضي في الجمعة 11 الجاري عندما أعلن الجنرال محمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني عندما دعا إلغاء الحدود بين كلّ من العراق ولبنان وسوريا، دول «محور المقاومة» كما أطلق عليها لتحقيق»الوحدة الإسلامية»، لم تسمع الوزارة بإلغاء الحدود مع إيران لتحقيق المخطط الإيراني تحت مسمّى «الوحدة الإسلاميّة»!!
اليوم،نكْمِلُ ما بدأُناه بالأمس،وذلك تأكيداً منّا على أنّ الصراع «العربي ـ الفارسي» عُمرُه سابقٌ حتى على نبوّة محمّد رسول الله صلوات الله عليه، إلا أّنّ العداوة والبغضاء هذه تجلّت في»أقبح»صورها مع الرسائل التي أرسلها النبيّ المصطفى إلى ملوك وقيادات العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، ففي السنة السادسة للهجرة النبوية الشريفة،انتدب النبيّ عليه الصلاة والسلام عبد الله بن حذافة السهمي لحَمْل رسالة النبي إلى كسرى «عظيم» الفرس، فمضى عبد الله بن حذافة حتى بلغ ديار فارس،فاستأذن بالدخول على ملِكِها، وأخطر الحاشية بالرسالة التي يحملها له..عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزُيّن، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذِنَ كسرى فدخل بن حذافة على سيد فارس مرتديا شملته الرقيقة، فما إن رآه كسرى مقبلاً حتى أومأ إلى أحد رجاله بأن يأخذ الكتاب من يده فقال: لا،إنّما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه لك يدا بيد وأنا لا أخالف أمراً لرسول الله.. فقال كسرى لرجاله:اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتباً عربياً من أهل الحيرة وأمره أن يفضّ الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه فإذا فيه :»بسم الله الرحمن الرحيم،من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى» فما إن سمع كسرى من الرّسالة هذا المقدار فقط حتى اشتعلت نار الغضب في صدره،فاحمرَّ وجهه ، وانتفخت أوداجُه لأنّ الرسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه … فجذب الرسالة من يدِ كاتبِه وجعل يمزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح : أيكتب لي بهذا ، وهو عبدي؟!! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يخرج من مجلسه فأُخرج.
أُخْرِجَ عبد الله بن حذافة من مجلس كسرى وهو لا يدري ما يفعل الله له وركب راحلته وانطلق،حتى قدم على النبي الله صلوات الله عليه أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه الكتاب،فما زاد عليه الصلاة والسلام على أن قال:»مزَّقَ الله مُلْكَه».أما كسرى فقد كتب إلى «باذان» نائبه على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجُليْن جَلديْن من عندك، ومُرْهما أن يأتياني به.. فبعث «باذان» رجليْن من خيرة رجاله إلى رسول الله، وحمَّلْهما رسالة له، يأمرُه فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كسرى دون ابطاء. وخرج الرجلان حتى لقيا النبي صلى الله عليه وسلم،فدفعا إليه رسالة «باذان» وقالا له «إنّ ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا «باذان» أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد أتيناك أتنطلق معنا إليه ، فإن أجبتنا كلّمنا كسرى بما ينفعك ويكفّ أذاه عنك،وإن أبيت فهو من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك..فتبسم صلوات الله عليه وقال لهما:ارجعا إلى رحالكما اليوم وأتيا غداً.. فلما غدوا على النبي في اليوم التالي، قالا له: هل أعددت نفسك للمضي معنا إلى لقاء كسرى ؟ فقال لهما النبي صلّى الله عليه وسلّم: لن تلقيَا كسرى بعد اليوم..فلقد قتله الله، حيث سلط عليه ابنه (شيرويه) في ليلة كذا من شهر كذا.. فحدّقا في وجهه النبي صلى الله عليه وصلوات الله عليه وسلم، وبدت الدهشة على وجهيهما،وقالا: أتدري ما تقول ؟! أنكتب بذلك لـ «باذان»؟! قال: نعم، وقولا له: إنّ ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى،وإنّك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك. خرج الرجلان من عند النبيّ وقدما على «باذان» وأخبراه الخبر، فقال:لئن كان ما قاله محمد حقاً فهو نبيّ ، وإن لم يكن كذلك فسنرى فيه رأياً..فلم يلبث أن قدم على «باذان» كتاب»شيرويه»ابن كسرى وفيه يقول: أما بعد..فقد قتلتُ كسرى، ولم أقتلْهُ إلا انتقاماً لقومنا ، فقد استحلَّ قتل أشرافهم وسبيَ نسائهم وانتهابَ أموالهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن عندك… فما إن قرأ «باذان» كتاب «شيرويه» حتى طرحه جانباً وأعلن دخوله في الإسلام وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن» .
«مزَّقَ الله مُلْكَه»، بهذه الدعوة النبويّة الشريفة لن يقوم لكسرى ملكٌ، ولن تكون لإيران إمبراطوريّة تستعيد فيها ملك ساسان،وصدق «الصادق الأمين» فقد مزّق الله ملك كسرى، ولا كسرى بعد هلاك كسرى، وإننا لا نردُّ على كلّ هذا «الهراء» الإيراني الصلف إلا بما قاله الله تعالى في قرآنه العربيّ العظيم الحكيم مُقْسِماً بالنِّجْمِ إذا هوى:}وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى?مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى? وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى? إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى{ [النّجم 1 ـ 4].
غداً حسن نصر الله كبير الشعوبيّة المعاصرة.