قبل أن ندخل إلى الفكرة الرئيسية لهامش اليوم، لا بدّ لنا من التوقّف عند الهجمة الشرسة على المملكة العربية السعودية من قبل حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله ومن كتلته النيابيّة وقبل كلّ هؤلاء من «إيران» وليّة أمر هذه الهجمة متّخذة من حادثة تدافع الحجيج في مشعر منى مبرراً لهذا الهجوم الشديد، ولكن، علينا أن نُكاشف القارىء بالغرض والهدف الحقيقيين لهذا الهجوم، فمن أين نبدأ؟
ثمة نقطتيْن تحسمان كلّ هذا «التهديد والهوبرة»، ولكن سنكتفي بواحدة فقط وهي هذا النصّ من كتاب الفيض الكاشاني الوافي ج1 ص 215، عن أبي بَصير عن أبي عبدالله [الإمام الحسين] قال: «القائم [مهدي الشيعة] يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أساسه ويردّ البيت إلى موضعه، وأقام على أساسه. ويقطع أيدي بني شيبة السُرَّاق ويعلقها على الكعبة!! وعن أبي جعفر انه قال: «إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد، ولم يبقَ مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمه وجعله جماء» لأن قبلة الصلاة ستتحوّل إلى الكوفة!! وروى الفيض الكاشاني: «يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحد من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم .. ولا تذهب الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه»… كلّ ما نسمعه من إيران ومن ألسنتها وببغاواتها في لبنان يدخل في باب ما نقلة الفيض الكاشاني في كتابه الوافي، نقطة، انتهى..
2 ـ «القدح الأخيب» و»لبيك يا علي»!
شاهدنا بالأمس لحظة شديدة الأهمية اتخذت أبعاداً عسكرية ـ سياسية، ومذهبيّة شيعيّة ـ فارسية، شاهدنا الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني يقف وحوله «محاربيه» من حزب الله اللبناني وهم يهتفون بـ»حضرته: لبيك يا علي»، وخاطب أحدهم علي الخامنئي بجملة للإمام الحسين ـ عليه السلام ـ إمعاناً في استثارة المشاعر المذهبيّة، ويتجاهل هؤلاء أنّ «علي الخامنئي» ليس «الإمام الحسين» ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ فأعلن بجملة واحدة دخول إيران رسمياً وبحرسها الثوري المعركة على الأرض السوريّة، فخاطبه «يا مولانا، لو قلت في يوم من الأيام «هل من ناصر ينصرني» [الجملة للإمام الحسين قبيل استشهاده في كربلاء]، لن نقول لك كما قالت الكوفة لعلي عليه السلام، بل نقول لك لبيك يا علي»، فعن أيّ كوفة يتحدّث هؤلاء، ما داموا يعتقدون أنّ قبلة الصلاة ستتحول إلى الكوفة بحسب كتبهم وفقهائهم وعقيدتهم وسينصب فيها الحجر الأسود؟؟ وهنا لا بُدّ لنا من إلقاء نظرة تاريخيّة على «الكوفة» وعلى «أهلها» وعلى موقف الإمام عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ من الذين سمعناهم يقولون بالأمس «لبيك يا عليّ» لعليّ إيران!!
ستختصر الروايات عن الإمام علي بلسانه العربيّ المبين الكثير مما نريد قوله، عن أبي الطفيل قال علي عليه السلام: «يا أهل الكوفة دخلت اليكم وليس لي سوط إلا الدرّة فرفعتموني إلى السوط، ثم رفعتموني إلى الحجارة أو قال: الحديد، ألبسكم الله شيعاً وأذاق بعضكم بأس بعض فمن فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب»!! وعن أبي صالح الحنفي قال: رأيتُ عليّاً عليه السلام يخطب وقد وضع المصحف على رأسه حتى رأيتُ الورقَ يتقعقع على رأسه قال: «اللهمّ قد منعوني ما فيه فأعطِني ما فيه، اللهمّ قد أبغَضْتُهم وأبغضوني، وملَلْتُهم وملّوني، وحملوني على غير خُلقي وطبيعتي، وأخلاقٍ لم تكن تعرف لي، اللهمَّ فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني، اللهمَّ مثْ قلوبَهم كما يماثُ الملح في الماء».
في أرض كربلاء، وفي يوم عاشوراء، دعا الإمام الحسين على شيعته قائلاً: «اللهمّ إن متَّعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً [أي شيعاً وأحزاباً] واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثم عدَوْا علينا فقتلونا».. والمفارقة أنّ شيعة الحسين حفظت كتبهم ما دعا به على أهل الكوفة [الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2 و38].
ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في [تاريخ اليعقوبي 235:1] أنه لما دخل علي بن الحسين زين العابدين السجّاد الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال: «هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا؟»
وكان الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ يناديهم «تعساً» قبل أن يقتلوه، فقال لهم: «ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، وأنما تُقدم على جُندٍ مُجندة؟ تباً لكم أيّها الجماعة حين استصرختمونا والِهين، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم ألباً أوليائكم وسحقاً، ويداً على أعدائكم . استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، وتهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً، بعداً لطواغيت هذه الأمة» [الاحتجاج للطبرسي].
ولما تنازل الحسن لمعاوية وصالحه، نادى شيعة علي على ولده الحسن ابن فاطمة الزهراء وسبط النبي المصطفى صلوات الله عليه «السلام عليك يا مُذلّ المؤمنين»، فنادى الإمام الحسن سلام الله عليه شيعة الكوفة الذين غدروا به قائلاً: «يا أهل الكوفة: ذهلت نفسي عنكم لثلاث: قتْلكم لأبي، وسَلْبِكُم ثقلي، وطعنكم في بطني وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا وأطيعوا، فطعنه رجل من بني أسد في فخذه فشقّه حتى بلغ العظم [كشف الغمة 540، الإرشاد للمفيد 190، الفصول المهمة 162، مروج الذهب للمسعودي 431:1] .
ولا أظنّ أنّ هناك قول بعد قول أهل بيت النبوّة، إنما أترك وصفاً دقيقاً يُنهي هذا المقال، وللمفارقة أيضاً وثقته كتب الشيعة وفقاؤهم: «روي عن الإمام جعفر الصادق عن كذب الشيعة أنّه قال: «إنّ ممّن ينتحلُ هذا الأمر (أي التشيّع) لَيَكْذِبْ حتّى إنّ الشيطان ليحتاجُ إلى كَذِبِه!! [الكافي ج 8 ص 212] ، وقال كذلك: «لو قامَ قائمُنا بدأَ بكُذّابِ الشيعة فقتلهم» [رجال الكشي ص 253].. ولله الأمر من قبل ومن بعد…