Site icon IMLebanon

“الفُرس” سبقوا ميكيافيللي

 

لم يتجاهل الرئيس الأميركي جو بايدن في خريطة الطريق التي أعلنها لطيّ الحرب في غزة، لبنان، فقد سبقه آموس هوكشتاين، الذي كشف عن اتفاق مؤجّل مع «حزب الله»، عبر الرئيس نبيه بري، لضبط الاستقرار في الجنوب وعودة النازحين على طرفي الحدود، والبدء بالاتفاق على ترتيبات أمنية وترسيم حدود برية نهائية، استكمالاً لترسيم الحدود البحرية، بين الكيان المعترف به رسمياً ولبنان، وعلى ذكر ما صدر قبل الترسيم البحري، فإن الاتفاق هو بين دولتي إسرائيل ولبنان، ما يعني اتفاق سلام غير معلن بين إسرائيل و»حزب الله».

 

لا يريد «الحزب» من أحد أن يذكّره بأنه وقّع الاتفاق البحري، ولا يريد من أحد أن يذكّره ولو بالمفعول المستقبلي، بأنه سيوقع اتفاقاً للترسيم البرّي، بما يضمن حدود إسرائيل، فهذا التذكير هو انتقاص من نصاعة المقاومة، لكنه في الحقيقة تصحيح لواقع تاريخي، وهو أن هذه المقاومة التذكيرية، استنكفت عن المشاركة في حرب العبور إلى أرض العام 1948، وتركت حركة «حماس» تقلع شوكها بيدها، لا بل قاتلت بها، وادّعت أنّها تقدّم كامل الدعم لها، في حين أنها انكفأت الى مواجهة سمّتها مساندة، كل ذلك على وقع حرب إبادة إسرائيلية لغزة، كانت تجري على إيقاع وهم وحدة الساحات، وتتغذى من معادلة الصبر الاستراتيجي الإيراني، الذي يضمر أكثر مما يعلن، ويعد بأكثر بكثير ممّا ينفّذ. لا يعدو رفع الوتيرة العسكرية في المواجهة جنوباً إلا المرحلة التي تسبق الاتفاق الشامل برعاية أميركية، وبموافقة إيرانية. أمّا تفاصيل الإتفاق والأثمان التي سيتمّ دفعها لإيران، فهي مؤكدة، ولن تدفع من كيس «حزب الله» أو أي من حلفاء طهران. الفاتورة تقع على لبنان واليمن والعراق، ومكاسب نظام الملالي، سيتمّ قبضه في هذه البلدان، ثمن وقوفه خلف الصبر الاستراتيجي، وانضباطه تحت سقف استراتيجية أميركا في المنطقة. سبق للأمين العام لـ»حزب الله» قبل أن يتولّى الأمانة العامة، أن قال في محاضرة شهيرة، إن تصوير «حزب الله» وكأنه تابع لإيران خطأ سياسي. كان الرجل فتياً لكنه كان يتنشّق السياسة بالغريزة. يصلح قوله اليوم وأمس وغداً، ليطبّق في علاقة أميركا بإيران: ما يصلح قوله هو إن طهران قائدة محور المقاومة، وليست الدولة البراغماتية التي تتقن الرقص مع العم سام. إنها البراغماتية الباطنية إياها، التي أسّس فيها الفرس مدرسة ضاهت كتاب ميكيافيللي.

 

المنطقة مقبلة على مرحلة ستشهد ضغوطاً كبيرة من إدارة بايدن للوصول إلى مرحلة حصر الحرب ومنع انتشارها، وهذا الموسم هو المثالي لطهران، التي تنتظر على ضفة النهر.